عناصر الغذاء الحيوانية والنباتية المستمدة من الأرض؛ كانوا من هذه الجهة مشابهين للنبات؛ التي تنمو بامتصاص غذائها من الأرض؛ فلذا سمي خلقهم، وإنشاؤهم إنباتا، أو يكون ذلك إشارة إلى خلق آدم، حيث خلق من تراب الأرض، ثم جاءت منه ذريته، فصح نسبتهم إلى أنهم أنبتوا من الأرض. انتهى. صفوة التفاسير.
وفي الآية استعارة تبعية استعير الإنبات للإنشاء، كما يقول: زرعك الله للخير، وكانت هذه الاستعارة أدل على الحدوث؛ لأنهم إذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات، ومنه قيل للحشوية: النابتة، والنوابت لحدوث مذهبهم في الإسلام من غير أولية فيه، ولا تنس: أن {نَباتاً} اسم مصدر، لا مصدر؛ إذ المصدر إنبات؛ لأن فعله أنبت. وفي الخازن: وقيل:
تقديره: أنبتكم، فنبتم نباتا. وفيه دقيقة لطيفة، وهي أنه لو قال: أنبتكم إنباتا، كان المعنى أنبتكم إنباتا عجيبا غريبا. ولما قال: أنبتكم نباتا، كان المعنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا، وهذا الثاني أولى؛ لأن الإنبات صفة الله تعالى، وصفة الله تعالى غير محسوسة لنا، فلا يعرف: أن ذلك الإنبات إنبات عجيب كامل إلا بواسطة إخبار الله تعالى، وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى، فكان موافقا لهذا المقام، فظهر بهذا: أن العدول عن تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف.
{ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها} أي: يرجعكم إلى الأرض بعد موتكم، فتدفنون فيها. {وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً} أي: يخرجكم من الأرض يوم القيامة للحساب، والجزاء. وأكده بالمصدر لبيان أن ذلك واقع لا محالة. وهذه الآية، كقوله تعالى في سورة (طه) رقم [٥٥]: {مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى}.
الإعراب:{وَاللهُ:} الواو: حرف عطف. (الله): مبتدأ. {أَنْبَتَكُمْ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى الله، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا. {مِنَ الْأَرْضِ:} متعلقان بما قبلهما. {نَباتاً:} مفعول مطلق. {ثُمَّ:} حرف عطف. {يُعِيدُكُمْ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (الله)، والكاف مفعول به. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية والتي بعدها معطوفتان على ما قبلهما، وهما من مقول نوح، على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. {إِخْراجاً:} مفعول مطلق مؤكد لعامله، مثل: نباتا، وإسرارا، واستكبارا.
الشرح:{وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً} أي: جعلها فسيحة ممتدة ممهدة لكم، وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات، كما قال تعالى في غير ما آية:{وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ}