للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبتدأ، يرشدك إلى ذلك الجملة التالية، وأيضا قوله تعالى في سورة (آل عمران) رقم [١١٠]:

{مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ} فعطف (كثير) و (أكثرهم) على (منهم) يؤيد أن معناه:

بعضهم، وخذ قول الحماسي: [الكامل] منهم ليوث لا ترام وبعضهم... ممّا قمشت وضمّ حبل الحاطب

حيث قابل لفظ: «منهم» بما هو مبتدأ، أعني لفظة: «بعضهم» وهذا مما يدل على أن مضمون «منهم» مبتدأ. هذا؛ وليوث جمع: ليث، وهو الأسد. «لا ترام»: لا تقصد. «قمشت»: جمعت من هنا وهناك، والمراد: رذالة الناس، والقمش: الرديء من كل شيء. (كثير): مبتدأ. {فَمِنْهُمْ:}

جار ومجرور متعلقان بكثير، {فاسِقُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، الأولى بالاستئناف، والثانية بالإتباع.

{ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً اِبْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ اِبْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧)}

الشرح: {ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا} أي: أتبعناهم رسولا في إثر رسول: موسى وهارون، وإلياس، وداود، وسليمان، وغيرهم على نبينا، وحبيبنا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. هذا؛ وأصل {قَفَّيْنا} قفونا، قلبت الواو ياء لوقوعها رابعة. واشتقاقه من: قفوته: إذا اتبعت قفاه، ثم اتسع فيه، فأطلق على كل تابع، وإن بعد زمان التابع من زمان المتبوع. والقفا:

مؤخر العنق، ويقال له: القافية أيضا، ومنه قافية الشعر، وهي آخر حرف من البيت. هذا؛ وقال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٨٧]: {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}. وقال في سورة (المائدة) رقم [٤٦]: {وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}.

{عَلى آثارِهِمْ:} قال القرطبي: على آثار الذرية. وقال البيضاوي: الضمير إلى نوح، وإبراهيم، ومن أرسلا إليهم، أو من عاصرهما من الرسل، لا للذرية، فإن الرسل المقفّى بهم من الذرية. هذا؛ و (الرسل) جمع: رسول، وهو بضم الراء، والسين، ويجوز تسكين السين. قال عيسى بن عمر: كل اسم على ثلاثة أحرف، أوله مضموم، وأوسطه ساكن، فمن العرب من يخففه، ومنهم من يثقله، وذلك مثل: عسر، ويسر، ورحم... إلخ.

{وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ:} فهو من ذرية إبراهيم، وهو آخر الأنبياء من بني إسرائيل. {وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ} أي: وأنزلنا عليه الإنجيل، الذي فيه البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلّم. {وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>