للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{رَأْفَةً:} عطفا، ولينا، وشفقة، والمراد بهم: الحواريون. قال في التسهيل: هذا ثناء من الله عليهم بمحبة بعضهم لبعض، كما وصف الله تعالى أصحاب سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم بأنهم: {رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} سورة (الفتح) [٢٩] وهؤلاء بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه.

هذا؛ و {الْإِنْجِيلَ} هو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، يذكر، ويؤنث، فمن أنث أراد الصحيفة، ومن ذكر أراد الكتاب، وهو الأكثر، وهو مشتق من النجل، وهو الأصل، كأنه أصل الدين، يرجع إليه، ويؤتم به، والإنجيل خال من الأحكام، وكل ما فيه حكم، ومواعظ، لذا فالنصارى عيال علينا في كثير من الأحكام، وخاصة المواريث، وقد دخل الإنجيل التحريف، والتزييف، كما دخلا التوراة، وما إنجيل متى، ومرقس... إلخ إلا من اختراعهم، وابتداعهم.

{وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها} أي: اختلفوها واصطنعوها من قبل أنفسهم؛ أي: أحدثها القسس والرهبان من تلقاء أنفسهم لم يفرضها الله عليهم، كما قال تعالى: {ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ} أي: ولا أمرناهم بها. وقيل: إنه معطوف على (الرأفة، والرحمة) والمعنى على هذا: أن الله تعالى أعطاهم إياها، فغيروا، وبدلوا، وابتدعوا فيها. والأول أقوى، وهو المشهور. والرهبانية: رفض النساء، وشهوات الدنيا، واتخاذ الصوامع.

وسببها: أن ملوكهم غيروا، وبدلوا، وبقي نفر قليل، فترهبوا، وتبتلوا. قال الضحاك-رحمه الله-: إن ملوكا بعد عيسى-عليه السّلام-ارتكبوا المحارم ثلاثمئة سنة، فأنكرها عليهم من كان بقي على منهاج عيسى، فقتلوهم، فقال قوم بقوا بعدهم: نحن إذا نهيناهم؛ قتلونا، فليس يسعنا المقام بينهم، فاعتزلوا الناس، واتخذوا الصوامع.

{ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ} أي: ما فرضناها عليهم، ولا أمرناهم بها {إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ:}

استثناء منقطع؛ أي: ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله. وقيل: متصل، فإن معنى {ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ:} ما تعبدناهم بها. وهو كما ينفي الإيجاب المقصود منه دفع العقاب؛ ينفي الندب المقصود منه مجرد حصول مرضاة الله، وهو يخالف قوله: {اِبْتَدَعُوها} إلا أن يقال: ابتدعوها، ثم ندبوا إليها، أو ابتدعوها بمعنى: استحدثوها، وأتوا بها أولا، لا أنهم اخترعوها من تلقاء أنفسهم. انتهى. بيضاوي.

{فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها:} فما حفظوها حق حفظها؛ أي: كما ينبغي بل ضيعوها، وضموا إليها التثليث، والاتحاد. يقولون: اتحد اللاهوت بالناسوت. وكفروا بدين عيسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، ودخلوا في دين ملوكهم، وأقام أناس منهم على دين عيسى عليه السّلام حتى أدركوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم، فآمنوا به. {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أي: أعطينا الذين ثبتوا على الإيمان الصحيح في شريعة عيسى، وعملوا الصالحات، وآمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ثوابا

<<  <  ج: ص:  >  >>