الموصول، والكاف في محل جر بالإضافة. {مِنَ الْقُرى:} متعلقان بمحذوف حال من: {ما،} و {مِنَ} بيان لما أبهم فيها. {وَصَرَّفْنَا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {الْآياتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم. {لَعَلَّهُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها، وجملة:{يَرْجِعُونَ} في محل خبر: (لعلّ)، والجملة الاسمية فيها معنى التعليل لما قبلها، لا محلّ لها.
الشرح:{فَلَوْلا نَصَرَهُمُ..}. إلخ؛ أي: فهلا منعهم من الهلاك آلهتهم الذين يتقربون بهم إلى الله حيث قالوا: {هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ}. قال الكسائي: القربان: كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من طاعة، ونسيكة، والجمع: قرابين، كالرهبان، والرهابين. {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ:} غابوا عن نصرهم، فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم آلهتهم، التي كانوا يعبدونها من دون الله.
{وَذلِكَ إِفْكُهُمْ} أي: كذبهم، وافتراؤهم الذي كانوا يقولون: إنها تقربهم إلى الله تعالى، وتشفع لهم عنده. هذا؛ وقرئ:{إِفْكُهُمْ} بكسر الهمزة، وسكون الفاء مصدر: أفك يأفك إفكا؛ أي: كذبهم. وقرئ بفتح الهمزة، وسكون الفاء، وهو مصدر أيضا، وقرئ بثلاث فتحات على أنه فعل ماض، وقرئ بغير ذلك، وانظر شرح:{يُؤْفَكُونَ} في الاية رقم [٨٧] من سورة (الزخرف). {وَما كانُوا يَفْتَرُونَ:} يكذبون، ويختلقون بقولهم: إنها آلهة، وإنها تشفع لهم.
هذا؛ و (ضل) بمعنى: كفر، وأشرك، وهو ضد: اهتدى، واستقام، ومصدره: الضلال، ويأتي (ضلّ) بمعنى: غاب، كما في قوله تعالى:{وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ} وما في هذه الاية منه: {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ..}. إلخ، ويأتي بمعنى خفي، يخفى. قال تعالى في سورة (طه) رقم [٥٢] حكاية عن قول موسى لفرعون: {قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى}
وضلّ الشيء: ضاع، وهلك، وضلّ: أخطأ في رأيه، ولولا هذا المعنى؛ لكفر أولاد يعقوب بقولهم في حضرته:{تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} وقولهم في غيبته: {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. وضلّ: تحيّر، وهو أقرب ما يفسر به قوله تعالى لحبيبه محمد صلّى الله عليه وسلّم:{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى} هذا؛ وأضل، يضل غيره من الرباعي ومصدره: الإضلال، فهو متعد، والثلاثي لازم.
وانظر سورة (الشورى) رقم [١٨]. هذا؛ والضلال: الخروج عن جادة الحق، والانحراف عن الصراط المستقيم. وينبغي أن تعلم أن طريق الهدى واحدة، لا اعوجاج فيها، ولا التواء، وأمّا الضلال فطرقه كثيرة، ومتشعبة. قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف