للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ. {فِي الدُّنْيا:} متعلقان ب‍: {خِزْيٌ} أو بمحذوف صفة له، ويجوز أن يكون: {خِزْيٌ} خبرا ل‍: {ذلِكَ}. و {وَلَهُمْ:} متعلقان بمحذوف حال من: {خِزْيٌ} كان صفة له، فلمّا قدّم عليه صار حالا، ويجوز أن يكون: {لَهُمْ} خبرا ل‍:

{ذلِكَ}. و {خِزْيٌ:} فاعل بالجار والمجرور لاعتمادهما على المبتدأ، والجملة الاسمية:

{ذلِكَ..}. إلخ مستأنفة لا محلّ لها. {وَلَهُمْ:} الواو: حرف عطف. (لهم): جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. {فِي الْآخِرَةِ:} متعلقان بمحذوف خبر ثان مقدّم، أو هما متعلّقان بالخبر المحذوف، أو هما متعلّقان بمحذوف حال من الضّمير المستتر في الخبر المحذوف، وتعليقهما بمحذوف حال من: {عَذابٌ} لا يجيزه كثير من النّحويين. {عَذابٌ:} مبتدأ مؤخر.

{عَظِيمٌ:} صفة له، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها.

{إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)}

الشرح: {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا} أي: من المحاربين، والقطّاع. ومعنى توبتهم: رجوعهم إلى حوزة المسلمين، وتسليم أسلحتهم، واعترافهم بأنّ خروجهم كان خطأ، وجهلا. {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ:} وهذا قيد لقبول توبتهم، وهذا في حقّ الله تعالى أيضا، وأمّا حقّ العباد؛ فلا يسقط بتوبتهم، ولو كانت قبل القدرة عليهم، فإن قتلوا نفسا، أو سلبوا مالا؛ فلا بدّ من القصاص منهم؛ وأن ردّوا المال لصاحبه، كما أنّه لا تنفعهم توبتهم بعد القدرة عليهم، وهذا كلّه في حقّ المسلمين إذا خرجوا عن طاعة الحاكم المسلم العادل، وأمّا الكفار؛ فتقبل توبتهم قبل القدرة عليهم، وبعدها؛ حتى في حقّ العباد ما لم يظهر لنا منهم خداع بعد القدرة عليهم.

{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ:} اعتقدوا، وتيقنوا. {غَفُورٌ} أي: للمحاربين، والقطاع إذا تابوا قبل القدرة عليهم، وهذا في حق الله تعالى، كما قدّمت. و {غَفُورٌ:} صيغة مبالغة، و {رَحِيمٌ:} مثله.

هذا وقال قوم من الصحابة، والتابعين: لا يطالب من المال إلا بما وجد عنده، وأمّا ما استهلكه؛ فلا يطالب به، وهذا مذهب مالك، والأوزاعي غير أنّ مالكا-رحمه الله تعالى-قال:

يؤخذ بالدّم إذا طالب به وليّه، فأمّا ما أصاب من الدّماء، والأموال، ولم يطلبها أولياؤها، فلا يتبعه الإمام بشيء من ذلك، وهذا حكم عليّ-رضي الله عنه-بحارثة بن بدر الفداني، فإنّه كان محاربا، ثمّ تاب قبل القدرة عليه، فكتب له عليّ-كرّم الله وجهه-بسقوط الأموال، والدّم عنه كتابا منشورا.

وكذلك جاء رجل من مراد إلى أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-وهو على الكوفة في خلافة عثمان-رضي الله عنه-بعد ما صلّى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى! هذا مقام العائذ بك،

<<  <  ج: ص:  >  >>