وأخيرا: فطائر الإنسان: عمله الذي قلده، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} الآية رقم [١٣] من سورة (الإسراء).
{أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ:} شرط جوابه محذوف لدلالة السياق عليه، التقدير: أإن ذكرناكم، ووعظناكم ودعوناكم إلى توحيد الله؛ تشاءمتم، وتوعدتمونا بالرجم، والتعذيب؟! وفيه تسعة أوجه من القراءات. {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} أي: أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان، فمن ثمّ جاءكم الشؤم. أو مسرفون في الضلال، ولذلك توعدتم، وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم، ويتبرك به. وفي سورة (النمل) رقم [٤٧]: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}. وفيها أيضا رقم [٥٥]: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
الإعراب: {قالُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {طائِرُكُمْ:} مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة. {مَعَكُمْ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {إِنّا إِنْ:} الهمزة: حرف استفهام. (إن):
حرف شرط جازم. {ذُكِّرْتُمْ:} فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء في محل رفع نائب فاعل، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال:
لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف، انظر تقديره في الشرح، والكلام في محل نصب مقول القول. {قَبْلُ:} حرف إضراب. {أَنْتُمْ:} مبتدأ. {قَوْمِ:} خبره. {لَمُسْرِفُونَ:} صفة:
{قَوْمِ}. وهذه الصفة وطئ لها بلفظ: {قَوْمِ،} فهي المرادة، لا لفظ: {قَوْمِ؛} لأنهم معلومون بأنهم {قَوْمِ،} ومثل ذلك ما ذكرته في الشرح من سورة (النمل)، والجملة الاسمية مستأنفة، وهي من مقول الرسل. وجملة: {قالُوا..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اِتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)}
الشرح: {وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ:} آخرها؛ أي: من مكان بعيد. {رَجُلٌ يَسْعى:} يسرع في مشيه. {قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} أي: الذين يدعونكم للإيمان. والمراد: رسل عيسى الذين مر ذكرهم. وينبغي أن تعلم: أن الله تعالى قدم هنا قوله: {مِنْ أَقْصَا} على: {فَرَجُلٌ} لأنه لم يكن من أقصاها، وإنما جاء منها، وفي سورة (القصص) رقم [٢٠] وصفه بأنه من أقصاها، وهما رجلان مختلفان، وقضيتان متباينتان، فما هنا في قصة حبيب النجار، وقضية حواري عيسى، وما هناك في قضية موسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.
تنبيه: المراد ب: {فَرَجُلٌ} هنا هو حبيب بن مري، وكان نجارا. وقيل: هو حبيب بن إسرائيل النجار، وكان ينحت الأصنام، وهو ممن آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وبينهما ستمائة سنة، كما آمن به تبع الأكبر، وورقة بن نوفل، وبحيرا الراهب، وغيرهم، ولم يؤمن بنبي أحد إلا بعد ظهوره.
قال وهب: وكان حبيب مجذوما، ومنزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، وكان يعكف على