للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثان، والمفعول الأول محذوف اختصارا؛ إذ التقدير: يهدي من يشاء السبيل، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} في محل نصب حال من فاعل {يَقُولُ} المستتر، والرابط: الواو، والضمير.

{اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)}

الشرح: {اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ} أي: انسبوهم لآبائهم الحقيقيين. فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتى نزل: {اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} فرفع الله حكم التبني، ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى أن الأولى، والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا. وقال النحاس: هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني، وهو من نسخ السنة بالقرآن، فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف، فإن لم يكن له أب معروف؛ نسبوه إلى ولائه، فإن لم يكن له ولاء معروف؛ قال له: يا أخي. يعني:

في الدين، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}. هذا؛ والضمير يعود إلى مصدر الفعل المتقدم، مثل قوله تعالى: {اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى}.

{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ} أي: فإن لم تعلموا لهم آباء تنسبونهم إليهم. {فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ} أي: فهم إخوانكم في الدين، وأولياؤكم في الدين، فقولوا: هذا أخي، وهذا مولاي، ويا أخي ويا مولاي، يريد الأخوة في الدين، والولاية فيه.

{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ} أي: لو نسي أحدكم فنسب إنسانا إلى أبيه من التبني، أو أخطأ في ذلك، وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد؛ فلا إثم، ولا مؤاخذة.

وكذلك لو دعوت رجلا إلى غير أبيه، وأنت ترى: أنه أبوه؛ فليس عليك بأس. قاله قتادة.

ولا يجري هذا المجرى من غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو، فإنه كان غلب عليه نسب التبني، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود، فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية، وعرف به، فلما نزلت الآية قال المقداد-رضي الله عنه-: أنا ابن عمرو، ومع ذلك بقي الإطلاق عليه، ومثله كثير، وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة، فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد، فإن قاله أحد متعمدا؛ عصى، وإن قاله نسيانا، أو خطأ؛ فلا إثم عليه بدليل نص الآية التي نحن بصدد شرحها، ومن هذا القبيل ما يقوله الأستاذ لتلميذه، وصاحب العمل لعامله: يا بنيّ، فإن كان على سبيل التكريم، أو الرحمة والشفقة؛ فلا إثم عليه، وإن كان يقصد غير ذلك فحرام عليه أن يستعمل هذا اللفظ لمعنى من المعاني المعوجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>