و (حاق) لا يستعمل إلا في الشر، فلا يقال: حاقت به النعمة، بل حاقت به النقمة. قال تعالى:
{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ،} وفي هذه الآية تهديد، وتحذير للمشركين من أهل مكة أن يفعلوا بنبيهم كما فعل من كان من قبلهم بأنبيائهم، فينزل بهم مثل ما نزل بهم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {فَأَصابَهُمْ} الفاء: حرف عطف. (أصابهم): ماض، والهاء مفعول به.
{سَيِّئاتُ:} فاعله، وسيئات مضاف، و {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل جر بالإضافة، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير:
سيئات الذي، أو شيء عملوه. هذا؛ وإن اعتبرت {ما} مصدرية؛ تؤوّل مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر بالإضافة، التقدير: سيئات عملهم، والجملة: {فَأَصابَهُمْ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها. وقال الجمل نقلا عن السمين: معطوفة على جملة: {فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وما بينهما اعتراض. (حاق): ماض.
{فَأَصابَهُمْ:} متعلقان بما قبلهما، والميم علامة جمع الذكور. {ما:} موصولة، أو موصوفة، مبنية على السكون في محل رفع فاعل. {كانُوا:} ماض ناقص، والواو اسمه، والألف للتفريق.
{بِهِ:} متعلقان بما بعدهما، وجملة: «يستهزءون به» في محل نصب خبر كان، وجملة:
{كانُوا..}. إلخ صلة {ما،} أو صفتها، والعائد، أو الرابط: الضمير المجرور محلا بالباء. هذا؛ وإن اعتبرت {ما} مصدرية تؤوّل مع الفعل بعدها بمصدر في محل رفع فاعل، التقدير: حاق بهم استهزاؤهم، والجملة الفعلية على جميع الاعتبارات معطوفة على ما قبلها.
{وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥)}
الشرح: قال الزمخشري في كشافه في تفسير الآية: هذا من جملة ما عدّد الله من أصناف كفرهم، وعنادهم من شركهم بالله، وإنكار وحدانيته، بعد قيام الحجج، وإنكار البعث، واستعجال العذاب استهزاء منهم به، وتكذيبهم الرسول، وشقاقهم، واستكبارهم عن قبول الحق، يعني: أنهم أشركوا بالله، وحرّموا ما أحلّ الله من البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وغير ذلك، ثم نسبوا فعلهم إلى الله. وقالوا: لو شاء الله؛ لم نفعل، وهذا مذهب المجبرة بعينه. انتهى. بتصرف.
هذا وقول المشركين المذكور احتجاج بأن ما يفعلونه ليس باطلا، ولا مستقبحا، ولو كان كذلك؛ لما شاء الله صدوره عنهم، ولشاء خلافه ملجئا إليه، لا اعتذار؛ لأنهم لم يعتقدوا قبح