وعلى هذين الوجهين فالضمة إعراب. والثّالث: أنّها ليست إعرابا، بل لمّا اضطرّ إلى التحريك؛ حرّك بالضم إتباعا لضمّة الضاد. وقيل: حركها بحركتها الإعرابية المستحقّة لها في الأصل. أبو البقاء بتصرف كبير. أقول: وهذا القول الأخير لا ضرورة فيه، وإنّما هو وجه من أوجه ثلاثة تجري في المضعّف المجزوم كما هو مقرّر في القواعد النحوية. ويقرأ بفتح الراء على أنّه مجزوم، حرّك بالفتحة لالتقاء الساكنين؛ إذ كان أخف من الضم والكسر. والكاف مفعول به.
{كَيْدُهُمْ:} فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة. {شَيْئاً:} نائب مفعول مطلق. والجملة الفعلية لا محل لها مثل ما قبلها.
{إِنْ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها. {بِما:} متعلقان ب {مُحِيطٌ} بعدهما، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية. {يَعْمَلُونَ:} التقدير: بالذي، أو: بشيء يعملونه، وعلى اعتبار (ما) مصدرية تؤوّل مع الفعل بعدها بمصدر في محل جرّ بالباء، التقدير:
بعملهم. {مُحِيطٌ:} خبر: {إِنْ}. والجملة الاسمية:{إِنَّ اللهَ..}. إلخ معترضة في آخر الكلام، متضمنة للوعيد، والتهديد لأعداء المسلمين.
الشرح: في الآيات الكريمة الحديث عن غزوة أحد. ومناسبتها لما قبلها: أنّه تعالى لمّا حذّر من اتّخاذ بطانة السوء؛ ذكر هنا: أنّ السبب في همّ الطائفتين من الأنصار بالفشل إنّما كان بسبب تثبيط المنافقين، وعلى رأسهم رأس النفاق ابن أبيّ، كما ذكر الله تعالى أن فشل المؤمنين في هذه الحرب إنّما هو مخالفة أوامر الرسول صلّى الله عليه وسلّم. إذا فالمناسبة واضحة.
{غَدَوْتَ:} خرجت غدوة، وهي السّاعات الأولى من الصّباح. {مِنْ أَهْلِكَ:} من بيت عائشة-رضي الله عنها-، وفيه مفخرة لها، ورفعة لشأنها. {تُبَوِّئُ:} تنزل. وفي سورة (الحشر)[٩]: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ:} اتخذوها منزلا. يقال: بوّأته منزلا، وبوّأت له، كما يقال: مكّنته، ومكّنت له، والمبوّأ: المنزل الملزوم، ومنه: بوّأه الله منزلا؛ أي: ألزمه إيّاه، وأسكنه فيه، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«من كذب عليّ متعمّدا؛ فليتبوّأ مقعده من النّار». أخرجه البخاريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. وقال الشاعر:[المنسرح]
وبوّئت في صميم معشرها... فتمّ في قومها مبوّؤها
{مَقاعِدَ لِلْقِتالِ:} مواطن، ومواقف من الميمنة، والميسرة، والقلب، والجناحين، والسّاقة. على أنّه جمع: مقعد، وفي سورة (الجن) قوله تعالى حكاية عن قولهم: {وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ}. {وَاللهُ سَمِيعٌ} لأقوالكم. {عَلِيمٌ:} بنيّاتكم، وسرائركم.