للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنّا بِاللهِ وَاِشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ (٥٢)}

الشرح: {فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ} أي: عرف من اليهود {الْكُفْرَ} والخبث، واللؤم.

والإحساس: الإدراك ببعض الحواس الخمس، وهو الذوق، والشم، واللمس، والسمع، والبصر. وفيه استعارة؛ إذ الكفر ليس بمحسوس، وإنّما يعلم، ويفطن به، فإطلاق الحسن عليه من نوع الاستعارة. {قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ} أي: مع الله، والظاهر: أنه أراد: من أنصاري في الدّعوة إلى الله، كما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول في مواسم الحج: «من يؤويني؛ حتّى أبلّغ رسالة ربّي؟ فإنّ قريشا منعوني أن أبلّغ كلام ربّي». وهذه سنّة الله في أنبيائه، وأوليائه، وقد حكى الله عن لوط قوله في سورة (هود): {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ}.

{قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ..}. إلخ: جمع: حواري، وهم أصفياء عيسى، عليه السّلام، وكانوا اثني عشر رجلا، واختلف في تسميتهم بذلك، فقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: سمّوا بذلك لبياض ثيابهم، وكانوا صيادين. وقيل: كانوا قصارين. وقيل: كانوا ملوكا يلبسون الثياب البيض. والحواري: الناصر، فعن جابر-رضي الله عنه-قال: ندب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الناس يوم الخندق، فانتدب الزبير-رضي الله عنه-، ثم ندبهم: فانتدب الزبير، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ نبيّ حواريّا وحواريي الزّبير». متفق عليه، والحواريات: النساء الحضريات لخلوص ألوانهن، وبياضهن، ونظافتهن. قال الشاعر: [الطويل]

فقل للحواريّات يبكين غيرنا... ولا تبكنا إلاّ الكلاب النّوابح

فهو يعني: أنه ليس من عرف بالحضر، والتنعم بالحياة، بل هو من أهل البدو، والمحاربة، ولا يبكى عليه إلا الكلاب؛ اللاتي تساق معه في البدو، والصيد. {وَاشْهَدْ:} الخطاب لعيسى عليه السّلام؛ أي: اشهد لنا عند ربك يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم، أو عليهم.

{مُسْلِمُونَ:} منقادون، طائعون. والإسلام: الاستسلام، والانقياد لأوامر الله. {أَنْصارُ اللهِ:}

أنصار دينه. هذا؛ والآية الكريمة تبيّن: أن الإسلام، والإيمان شيء واحد، ولكن قد يختلفان، كما في آخر سورة (الحجرات).

هذا؛ وقال عبد الوهاب النجار-رحمه الله تعالى-: {الْحَوارِيُّونَ} هم أصحاب المسيح عيسى بن مريم-صلوات الله، وسلامه عليه-وخاصته؛ الذين اختارهم؛ ليكونوا تلاميذه، وبادروا إلى الإيمان به، وتتلمذوا له، وتعلّموا منه، وكانوا اثني عشر رجلا. وهذا اللفظ لم أعرفه عبرانيّا، وأما عربيّا فقد قال صاحب القاموس، وقد جاء إطلاق حواري رسول الله صلّى الله عليه وسلّم

<<  <  ج: ص:  >  >>