للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨)}

الشرح: {نَحْنُ خَلَقْناهُمْ:} أوجدناهم من العدم، ولم يكونوا شيئا مذكورا. {وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ:} قوينا خلقهم، وأحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب، والعروق؛ حتى كانوا أقوياء أشداء. هذا؛ و (الأسر) الربط، والتوثيق، ومنه: أسر الرجل، إذا أوثق بالقدّ، وهو الإسار، وفرس مأسور الخلق؛ أي: قوي الخلق. والمعنى: شددنا توصيل عظامهم، بعضها ببعض، وتوثيق مفاصلهم بالأعصاب. ومثله جارية معصوبة الخلق، ومجدولته، ويقال: أسره الله جل ثناؤه: إذا شدّد خلقه. قال لبيد بن ربيعة الصحابي-رضي الله عنه-: [الرمل]

ساهم الوجه شديد أسره... مشرف الحارك محبوك الكتد

ويروى: «محبوك الكفل» أي: مدمجه، والكفل بفتحتين للدابة، وغيرها: العجز، أو الردف، والجمع: أكفال. وقال الأخطل: [الكامل]

من كلّ مجتنب شديد أسره... سلس القياد تخاله مختالا

مجتنب: مفتعل من الجنيبة، وهي الفرس تقاد، ولا تركب، وكانوا يركبون الإبل، ويجتنبون الخيل، فإذا صاروا إلى الحرب؛ ركبوا الخيل. وقال مجاهد في تفسير الأسر: هو الشرج؛ أي:

إذا خرج البول، والغائط تقبض الموضع، وهو بفتح الهمزة، وبضمها: احتباس البول كالحصر في الغائط. وجميع ما ذكر من المعاني للأسر موجود في القاموس المحيط. وبالجملة فقد خرج الكلام مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالكفر، والفسوق، والفجور، والمعنى: سويت خلقهم، وأحكمته بالقوى، ثم هم يكفرون بي.

{وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يقول الله: لو نشاء؛ لأهلكناهم، وجئنا بأطوع منهم. وعنه أيضا: لغيّرنا محاسنهم إلى أسمج الصور، وأقبحها. روى الأول عنه أبو صالح، والثاني رواه الضحاك عنه. انتهى قرطبي. هذا؛ وزلق الزمخشري حيث قال: وحقه أن يجيء ب‍: «إن»، لا ب‍: «إذا»، كقوله تعالى في آخر سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم): {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ} وقوله تعالى في سورة (النساء) رقم [١٣٣]: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ،} وفي سورة (الأنعام) رقم [١٣٣]: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ،} وأيضا في سورة (إبراهيم) [١٩] وفي سورة (فاطر):

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ}.

والجواب والرد على الزمخشري الذي زلق: أن «إذا» تستعمل في المحقق، و «إن» تستعمل في المحتمل، ومشيئة الله التبديل لمّا لم تقع؛ كانت غير محققة، فكان المقام ل‍: (إن)، بخلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>