غيره من الأزمنة؛ لأنّه لا يقال: أبد كذا، كما يقال: زمن كذا، وفي قوله تعالى: {خالِدِينَ فِيها أَبَداً} دليل على أنّ الخلود لا يفيد التأبيد، والدّوام؛ لأنّه لو أفاد ذلك؛ لزم التّكرار، وهو خلاف الأصل، فعلم من ذلك: أنّ الخلود عبارة عن طول الزّمان، لا على الدّوام، فلمّا أتبع الخلود بالأبد؛ علم: أنّه يراد به الدّوام؛ الّذي لا ينقطع.
{وَعْدَ اللهِ حَقًّا:} يعني: وعد الله ذلك الذي ذكر وعدا حقّا. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً:}
أصله: قولا؛ بكسر القاف، وسكون الواو، فقلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة قبلها، والقيل:
والقال، والقول بمعنى واحد. والمقصود من الآية الكريمة معارضة المواعيد الشّيطانية الكاذبة لأوليائه بوعد الله الصادق لأصفيائه، والمبالغة في توكيده، ترغيبا للعباد في تحصيله. وانظر الآية رقم [٨٧] فهو جيّد. هذا؛ ولا تنس المقابلة بين هذه وما تضمّنت من الوعد وبين ما قبلها، وانظر شرح المقابلة في الآية رقم [٨٥].
الإعراب: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً:} انظر الآية رقم [٥٧] ففيها الكفاية. {وَعْدَ:} مفعول مطلق مؤكّد لمضمون (ندخلهم) لأنّه وعد من العزيز الحكيم، وهو مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. {حَقًّا:}
مفعول مطلق لفعل محذوف، تقديره: حقّ ذلك حقّا، والجملة الفعلية هذه صفة وعد الله، وجوّز اعتبارها حالا من المصدر قبله، وهو ضعيف.
{وَمَنْ:} الواو: حرف استئناف. ({مِنْ}): اسم استئناف بمعنى النفي مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَصْدَقُ:} خبره، والجملة الاسمية مستأنفة لا محلّ لها. {مِنَ اللهِ:} متعلقان ب {أَصْدَقُ،} أو هما متعلقان ب {قِيلاً} لأنّه مصدر أيضا. {قِيلاً:} تمييز، وانظر الآية رقم [٨٧].
{لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣)}
الشرح: {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ:} الخطاب للمؤمنين، والمعنى: ليس الأمر على شهواتكم، وأمانيكم أيّها المسلمون. {وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ:} وليس الأمر على شهوات أهل الكتاب:
اليهود، والنصارى. هذا؛ و ({أَمانِيِّ}) جمع: أمنية بتشديد الياء، وتخفيفها فيهما، قال أبو حاتم- رحمه الله تعالى-: كلّ ما جاء من هذا النحو واحد، مشدّد، فلك فيه التّشديد، والتخفيف، مثل:
أثافي، وأغاني، وأماني، ونحوه. وهذا من قولهم: مان الرجل في حديثه مينا، وتمنّى، تمنيا، أي: كذب، ومنه قول عثمان بن عفان-رضي الله عنه-: ما تمنّيت مذ أسلمت؛ أي: ما كذبت.
أو هي جمع: أمنية من التمنّي، وهو طلب شيء محبوب، لا يرجى حصوله لكونه مستحيلا:
أو بعيد الوقوع. وإذا كان متوقّع الحصول؛ فإنّ ترقّبه يسمّى ترجيا، وعليه: فالأماني التي يتمنّاها