للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)}

الشرح: {أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ} يعني: القرآن، وانظر الاية رقم [٢٤] من سورة (الذاريات).

{أَنْتُمْ:} خطاب لأهل مكة. {مُدْهِنُونَ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: مكذبون. وقيل:

كافرون. وقال المؤرج: المدهن، والمداهن: المنافق، أو الكافر؛ الذي يلين جانبه، ليخفي كفره. والإدهان، والمداهنة: التكذيب، والكفر، والنفاق. قال تعالى في سورة (ن): {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} وأصله: اللين، وأن يسر خلاف ما يظهر. قال أبو قيس بن الأسلت: [السريع] الحزم والقوة خير من ال‍... إدهان والفهّة والهاع

الفهة: السقطة، والجهلة، ونحوها. والهاع، والهائعة: الصوت الشديد؛ الذي تفزع منه، وتخافه من عدو. {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي: حظكم من القرآن. قال الحسن رحمه الله في هذه الاية:

خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب. وقال جماعة من المفسرين: معناه:

وتجعلون شكركم أنكم تكذبون؛ أي: بنعمة الله عليكم، وهذا في الاستسقاء بالأنواء، وذلك:

أنهم كانوا إذا مطروا يقولون: مطرنا بنوء كذا، ولا يرون ذلك من فضل الله عليهم، فقيل لهم:

أتجعلون رزقكم؛ أي: شكركم بما رزقكم الله التكذيب، فمن نسب الإنزال إلى النجم؛ فقد كذب برزق الله، ونعمه، وكذب بما جاء به القرآن. والمعنى: أتجعلون بدل الشكر التكذيب.

فعن يزيد بن خالد الجهني-رضي الله عنه-قال صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف؛ أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟». قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: «أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر، فأمّا من قال: مطرنا بفضل الله، ورحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكب. وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا، وكذا، فذلك مؤمن بالكواكب، كافر بي». رواه مسلم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {أَفَبِهذَا:} (الهمزة): حرف استفهام إنكاري توبيخي. (الفاء): حرف استئناف.

(بهذا): جار ومجرور متعلقان ب‍: {مُدْهِنُونَ،} والهاء حرف تنبيه مقحم بينهما. {الْحَدِيثِ:} نعت لاسم الإشارة، أو بدل، أو عطف بيان عليه. {أَنْتُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {مُدْهِنُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَتَجْعَلُونَ:} الواو: حرف عطف. (تجعلون): مضارع مرفوع، والواو فاعله.

{رِزْقَكُمْ:} مفعول به أول، وهو على حذف مضاف، التقدير: شكر رزقكم، والكاف في محل جر بالإضافة. {أَنَّكُمْ:} حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمه. {تُكَذِّبُونَ:} فعل مضارع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (أنّ)، و (أنّ)، واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به ثان، وجملة: (تجعلون...) إلخ معطوفة على {مُدْهِنُونَ،} فهي في محل رفع مثلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>