للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أيّ يوميّ من الموت أفرّ... أيوم لم يقدر، أم يوم قدر؟

وخرج ابن هشام الآية الكريمة على أن الأصل: (ألم نشرحن لك صدرك) فحذفت نون التوكيد الخفيفة، وبقيت الفتحة دليلا عليها، وكذلك (لا تهين، واضرب، ولم يقدر) انظر شرح الأبيات الثلاثة، وإعرابها في كتابنا المذكور. ولا بد من القول: إن قراءة الآية بفتح الحاء قراءة شاذة، وعزاها الزمخشري لأبي جعفر المنصور، وهل يعدّ أبو جعفر من القراء؟!

{لَكَ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {صَدْرَكَ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية مبتدأة لا محل لها من الإعراب. {وَوَضَعْنا:} الواو: حرف عطف.

(وضعنا): فعل، وفاعل. {عَنْكَ:} متعلقان به. {وِزْرَكَ:} مفعول به، والكاف مضاف إليه، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب بدلا من وزرك، أو هو صفة له، أو هو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو الذي، أو هو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف، التقدير: أعني الذي، وهذان الوجهان على القطع، {أَنْقَضَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى {الَّذِي،} وهو العائد. {ظَهْرَكَ:}

مفعول به، والكاف مضاف إليه، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محلّ لها، وجملة: {وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ} معطوفة على الجملة الأولى والثانية، لا محل لها مثلهما، وإعرابها مثلهما بلا فارق.

{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦)}

الشرح: أي: إن مع الضيق والشدة يسرا؛ أي: سعة وغنى، ثم كرر، فقال {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} فقال قوم: هذا التكرير تأكيد للكلام، كما يقال: ارم ارم. اعجل، اعجل. قال تعالى في سورة (التكاثر): {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ونظيره في تكرير الجواب: بلى، بلى، لا، لا، نعم، نعم، وذلك للإطناب، والمبالغة. قاله الفراء. وقال قوم: إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا، ثم كرروه؛ فهو هو، وإذا نكروه، ثم كرروه فهو غيره، وهما اثنان ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر. قاله ثعلب.

قال الحسن-رحمه الله تعالى-: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشروا فقد جاءكم اليسر، إنه لن يغلب عسر يسرين». وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، ويخرجه، إنه لن يغلب عسر يسرين. وابن مسعود لا يقول هذا من تلقاء نفسه. وكتب أبو عبيدة-رضي الله عنه-إلى الفاروق-رضي الله عنه-يذكر له جموعا كثيرة من الروم، فكتب له الفاروق: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه في سورة (آل عمران): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>