للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وزيف أبو علي الحسن بن يحيى الجرجاني هذا القول؛ حيث قال: وهذا قول مدخول فيه، إذا قال الرجل: إن مع الفارس سيفا، إن مع الفارس سيفا، فهو لا يوجب أن يكون الفارس واحدا، والسيف اثنين، فمجاز قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لن يغلب عسر يسرين». أن الله عز وجل بعث نبيه صلّى الله عليه وسلّم وهو مقل مخف، فكانت قريش تعيره بذلك، حتى قالوا له: إن كان بك طلب الغنى؛ جمعنا لك أموالا؛ حتى تكون أيسر أهل مكة، فاغتم النبي صلّى الله عليه وسلّم لذلك، وظن: أن قومه إنما كذبوه لفقره، فعدد الله عليه في هذه السورة نعمه، ووعده الغنى ليسليه بذلك عما خامره من الغم، فقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} أي: لا يحزنك الذي يقولون، فإن مع العسر الذي في الدنيا يسرا عاجلا، ثم أنجز ما وعده، وفتح عليه القرى القريبة، ووسع ذات يده؛ حتى كان يعطي المئين من الإبل، ويهب الهبة السنية، ثم ابتدأ فضلا آخر من أمور الآخرة، فقال تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو. وهذا وعد لجميع المؤمنين.

والمعنى: إن مع العسر الذي في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة، وربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا، وهو ما ذكره الله في الآية الأولى، ويسر الآخرة، وهو ما ذكره في الآية الثانية، فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لن يغلب عسر يسرين». أي: إن عسر الدنيا لن يغلب اليسر الذي وعده الله المؤمنين في الدنيا، واليسر الذي وعدهم في الآخرة إنما يغلب أحدهما، وهو يسر الدنيا. فأما يسر الآخرة فدائم أبدا غير زائل؛ أي: لا يجتمعان في الغلبة، فهو كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «شهرا عيد لا ينقصان» أي: لا يجتمعان في النقص. انتهى. خازن، وقرطبي بتصرف، ولا تنس أن تنكير {يُسْراً} للتفخيم، والتعظيم. هذا؛ ويقرأ في السبعة بسكون السين في الكلم الأربع. وقرأ ابن وثاب، وأبو جعفر، وعيسى بضمها. وفيه خلاف: هل هو أصل، أو مثقل من المسكن. وقال عيسى بن عمر-رحمه الله تعالى-: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، وأوسطه ساكن، فمن العرب من يخففه، ومنهم من يثقله، وذلك مثل رحم، وحلم... إلخ، بعد هذا روح عن نفسك بما يلي. قال الشاعر: [الكامل]

ولربّ نازلة يضيق بها الفتى... ذرعا وعند الله منها المخرج

كملت فلمّا استحكمت حلقاتها... فرجت، وكان يظنّها لا تفرج

ومما يروى عن الشافعي-رضي الله عنه-قوله: [المنسرح]

صبرا جميلا ما أقرب الفرجا... من راقب الله في الأمور نجا

من صدق الله لم ينله أذى... ومن رجاه يكون حيث رجا

وقال إسحاق بن بهلول القاضي: [الوافر]

فلا تيأس إذا أعسرت يوما... فقد أيسرت في دهر طويل

<<  <  ج: ص:  >  >>