للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للصفة بعدها، بمعنى أنّ المقصود الصفة، وهذا كثير في القرآن الكريم، خذ قوله تعالى:

{وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ} وقوله جلّ شأنه: {إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا}. ثم الحال تنقسم إلى قسمين: إما مؤسسة، وإما مؤكدة، فالأولى: هي التي لا يستفاد معناها بدونها، نحو: جاء زيد راكبا، وأكثر ما تأتي الحال من هذا النوع، والمؤكدة: هي التي يستفاد معناها بدونها، وإنما يؤتى بها للتوكيد، وهي ثلاثة أنواع:

١ - ما يؤتى بها لتوكيد عاملها، وهي التي توافقه معنى فقط، أو معنى ولفظا. فالأول، نحو قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها،} ومنه قوله تعالى في كثير من الايات: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. والثاني، نحو قوله تعالى: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً}.

٢ - ما يؤتى بها لتوكيد مضمون جملة مقصودة من اسمين معرفتين جامدين، نحو: «هو الحقّ بيّنا، أو صريحا». وقول سالم بن دارة اليربوعي، وهذا هو الشاهد رقم [٣٨٥] من كتابنا: «فتح رب البرية»: [البسيط] أنا ابن دارة معروفا بها نسبي... وهل بدارة يا للنّاس من عار؟

٣ - ما يؤتى بها لتوكيد صاحبها، كقوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} وهناك الحال اللازمة في قراءة من قرأ قوله تعالى في سورة (ص) رقم [٢٩]: {(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ)} لأنّ البركة لا تفارقه.

{لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩)}

الشرح: {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ:} الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولأمته. وتقرأ الأفعال كلها بالتاء، والياء، وانظر (الإيمان) في الاية رقم [٢] من سورة (محمد صلّى الله عليه وسلّم). {وَتُعَزِّرُوهُ:} وتقووه بتقوية دينه، وتنصروه على أعدائه. والتعزير: نصر عظيم. {وَتُوَقِّرُوهُ:} تعظموه، وتفخموه، والتوقير:

التعظيم. قال القرطبي: والهاء فيهما للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وهنا وقف تام، ثم تبتدئ: {وَتُسَبِّحُوهُ} أي:

تسبحوا الله. وقيل: الضمائر كلها لله تعالى، فعلى هذا يكون تأويل: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي:

تثبتوا له صحة الربوبية، وتنفوا عنه أن يكون له ولد، أو شريك. واختار هذا القول القشيري، وهو اختيار الزمخشري في الكشاف أيضا.

هذا؛ والتعزير: التوقير، والتعظيم، وهو أيضا: التأديب، ومنه: التعزير؛ الذي هو دون الحد، فهو من الأضداد. وانظر الأضداد في الاية رقم [١٠] من سورة (الجاثية). هذا؛ وقد قال تعالى في سورة (المائدة) رقم [١٢]: {*وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي}

<<  <  ج: ص:  >  >>