الشرح:{وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ} أي: منعناه من قبول ثدي مرضعة غير أمه، فلم يقبل ثدي واحدة من المراضع المحضرة، قبل مجيء أمه، وأخته. والتحريم استعارة للمنع؛ لأن من حرم عليه الشيء؛ فقد منعه، وذلك؛ لأن الله منعه أن يرضع ثديا غير ثدي أمه، وقد أهمهم ذلك. هذا؛ وإن الحكم الشرعي وإن نسب إلى ذات، فالطلب لا يتعلق إلا بالأفعال، نحو قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ} أي: حرم الاستمتاع بهن، وقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أي: أكلها، وقوله:{حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ} أي: تناولها، لا أكلها، لتناول شرب ألبان الإبل، وقوله تعالى:{وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها} أي: منافعها من الركوب، والتحميل. و (مراضع) جمع:
مرضع بضم الميم، وكسر الضاد، وترك التاء إما لاختصاصه بالنساء، أو لأنه بمعنى: شخص مرضع، وفي سورة (الحج): {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ} لذا قيل: مرضعة بالتاء لمن باشرت الإرضاع، وبلا تاء لمن شأنها الإرضاع، وإن لم تباشره، قال امرؤ القيس يخاطب ابنة عمه عنيزة:[الطويل]
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع... فألهيتها عن ذي تمائم محول
هذا؛ ويقال: لم يؤنث مرضع في بيت امرئ القيس، ونحوه؛ لأن المراد النسبة، أي: ذات إرضاع، أو ذات رضيع، ومثلها: حائض، وطالق، وحامل. والاسم إذا كان من هذا القبيل عرته العرب من علامة التأنيث، كما قالوا: امرأة لابن تامر، أي: ذات لبن، وذات تمر، ورجل لابن تامر، أي: ذو لبن، وذو تمر، ومنه قوله تعالى:{السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} نص الخليل على أن المعنى: السماء ذات انفطار به؛ لذلك تجرد لفظ منفطر من علامة التأنيث، بخلاف ما إذا بني الوصف على الفعل؛ أنث، فتقول: أرضعت فهي مرضعة كما في آية الحج. والجمع: مراضع، ومراضيع، ومرضعات.
{فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أي: يتولون تربيته، ورضاعه، وإنما قالت لهم ذلك حين رأت رغبتهم في إيجاد امرأة يقبل ثديها، وحرصهم على حياة الطفل الذي يبكي بين أيديهم من شدة جوعه. {وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ} أي: لا يمنعونه ما ينفعه من تربيته، وغذائه، والنصح: إخلاص العمل من شوائب الفساد. قيل: لما قالت لهم ذلك، قالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله، قالت: لا أعرفه، ولكن قلت: وهم ناصحون للملك، وقيل: إنها قالت: إنما قلت ذلك رغبة في سرور الملك، واتصالنا به. وقيل: قالوا: من هي؟ قالت: أمي، قالوا: أولأمك ولد؟ قالت نعم هارون، وكان هارون-على نبينا، وعليه ألف صلاة وألف سلام-قد ولد في السنة التي لا يقتل فيها