{كَذلِكَ:} الكاف: حرف تشبيه وجر، و (ذا): اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالكاف، والجار، والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، عامله ما بعده، التقدير: نفعل بالمجرمين فعلا كائنا مثل فعلنا بالأولين، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {نَفْعَلُ:} فعل مضارع، والفاعل تقديره:«نحن». {بِالْمُجْرِمِينَ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها.
الشرح: هذا نوع آخر من تخويف الكفار، وهو من وجهين: الأول: أنه تعالى ذكرهم عظيم إنعامه عليهم، وكل من كانت نعمه تعالى عليه أكثر؛ كانت خيانته في حقه تعالى أقبح، وأفحش. الثاني: أنه تعالى ذكرهم: أنه قادر على الابتداء، والقادر على الابتداء؛ قادر على الإعادة. فلما أنكروا هذه الدلالة الظاهرة؛ لا جرم قال تعالى في حقهم:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ،} ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة (السجدة): {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ}. انتهى جمل نقلا من الخطيب.
والمعنى: ألم نخلقكم يا معشر الكفار من ماء مهين ضعيف حقير، هو مني الرجل؟! وفي الحديث القدسي، يقول الله عز وجل:«ابن آدم أنّى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه؟!». فقد روي: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصق يوما في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال:«يقول الله عز وجل:
ابن آدم أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه؟! حتى إذا سوّيتك، وعدّلتك مشيت بين برديك، وللأرض منك وئيد، فجمعت، ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي؛ قلت: أتصدّق، وأنّى أوان الصّدقة؟!». أخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه.
{فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ} أي: فجعلنا الماء المهين في مكان حريز، وهو الرحم. سمي مكينا؛ لاستقرار النطفة فيه إلى وقت الولادة يحفظ فيه المني من الآفات المفسدة له كالهواء، ونحوه.
{إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ:} إلى مقدار معلوم من الوقت قدره الله تعالى للولادة، لا يعلم ذلك غيره.
{فَقَدَرْنا:} على ذلك، أو فقدّرناه من التقدير؛ أي: قدرنا ذلك تقديرا. {فَنِعْمَ الْقادِرُونَ:} نحن على ذلك حيث خلقناه في أحسن صورة وهيئة!.
هذا؛ و (نعم) فعل ماض جامد لإنشاء المدح، وضدها:«بئس» لإنشاء الذم. قال في المختار: نعم منقول من «نعم فلان» بفتح النون وكسر العين: إذا أصابته النعمة، و «بئس» منقول من «بئس فلان» بفتح الباء وكسر الهمزة: إذا أصابه بؤس، فنقلا إلى المدح، والذم، فشابها