للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)}

الشرح: {الزّانِيَةُ وَالزّانِي:} لفظ الزنى مستعمل في اللغة قبل الشرع، مثل اسم السرقة، والقتل، وهو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح، ولا شبهة نكاح بمطاوعتها. وإنما قدم سبحانه الزانية؛ لأن الزنى يكون في الأغلب بتعرضها للرجل، وعرض نفسها عليه، ولأن مفسدته تتحق بالإضافة إليها. وقيل: لأن الزنى في النساء أعرّ، وهو لأجل الحبل أضرّ. وقيل:

لأن الشهوة في المرأة أكثر، وعليها أغلب، فصدّرها تغليظا لتردع شهوتها، وإن كانت قد ركّب فيها حياء أكثر من الرجل، لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله، وأيضا فإن العار بالنساء ألحق؛ إذ موضوعهن الحجب والصيانة، فقدم ذكرهن تغليظا واهتماما، وهذا بخلاف حد السرقة حيث قدم جلت قدرته السارق على السارقة؛ لأن السرقة إنما تتولد من الجسارة، والقوة، والجراءة، وهي في الرجل أقوى، وأكثر. وهذه الآية ناسخة لآية الحبس، وآية الأذى اللتين في سورة (النساء) برقم [١٥ و ١٦]. هذا؛ والزنى بالمد والقصر، قال الفرزدق: [الطويل]

يا خالد من يزن يعلم زناؤه... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا

قال الفراء: المقصور من: زنى، والممدود من: زانى، يقال: زاناها مزاناة، وزناء، وخرجت فلانة تزاني، وتباغي، وقد زنى بها، يزني زناء، وزنى.

{فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا:} هذا حد الزاني الحر، البالغ، البكر، العاقل، وكذلك الزانية البالغة، العاقلة، البكر، الحرة. وثبت بالسنة تغريب عام على الخلاف في ذلك بين الفقهاء. هذا؛ والسوط الذي يضرب به كل واحد منهما يكون وسطا بين سوطين، لا شديدا، ولا ليّنا، ويجرّد من الثياب مع إبقاء ساتر للعورة عليه، ويجتنب في الضرب المقاتل، ويكون الضرب غير مبرح ضربا بين ضربين. هذا؛ والمخاطب بذلك ولاة الأمور، وقيل: الخطاب للمسلمين؛ لأن إقامة مراسم الدين واجبة على المسلمين، ثم الحاكم ينوب عنهم؛ إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود. ولا بد لإقامة الحد المذكور من شهادة أربعة يشهدون: أنهم رأوا الميل بالمكحلة، أو بالإقرار من الزانيين، أو من أحدهما، كما ستعرفه، واختلفوا فيما يجب على الرجل يوجد مع المرأة في ثوب واحد، أو لحاف واحد، فالمتفق عليه التعزير للرجل، والمرأة، وله درجات متفاوتة عند الفقهاء، لا تبلغ الحد المقرر الثابت بالشهادة المذكورة، مع ملاحظة التلويث لشرفهما، وشرف أسرتهما.

هذا؛ وأما حدّ الزانيين المحصنين، أواحدّ أحدهما؛ فهو الرجم بالحجارة حتى يموت.

والمراد بالإحصان التزوج بعقد صحيح، ودليل حدّ الرجم ما يلي: فعن عبادة بن الصامت

<<  <  ج: ص:  >  >>