للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨)}

الشرح: هذه الآية مذكورة بحروفها في سورة (الأنبياء) برقم [١٦]. وقال البيضاوي في شرحها هناك: وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع، تبصرة للنظار، وتذكرة لذوي الاعتبار، وتسبيبا لما ينتظم به أمور العباد في المعاش، والمعاد، فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال، ولا يغترّوا بزخارفها، فإنّها سريعة الزوال. وقال الخازن: معناها ما سوينا هذا السقف المرفوع، وهذا المهاد الموضوع، وما بينهما للهو واللّعب، وإنما سويناهما لفوائد، منها: التفكر في خلقهما، وما فيهما من العجائب، والمنافع؛ التي لا تعدّ، ولا تحصى.

وقال الجمل نقلا من زاده: الآية دليل على صحة الحشر، ووقوعه، ووجه الدلالة: أنه لو لم يحصل البعث، والجزاء؛ لكان هذا الخلق عبثا؛ لأنه تعالى خلق نوع الإنسان، وخلق ما ينتظم به أسباب معاشهم من السقف المرفوع، والمهاد المفروش، وما بينهما من عجائب المصنوعات، وبدائع الأحوال، ثم كلفهم بالإيمان، والطاعة، فاقتضى ذلك أن يتميز المطيع من العاصي بأن يكون المطيع متعلق فضله، وإحسانه، والعاصي متعلق عدله وعقابه، وذلك لا يكون في الدنيا لقصر زمانها، وعدم الاعتداد بمنافعها؛ لكونها مشوبة بأنواع الآفات، والمحن، فلا بدّ من البعث لتجزى كل نفس بما كسبت. فظهر بهذا وجه اتصال الآية بما قبلها، وهو أنّه لما حكى مقالة منكري البعث والجزاء، وهدّدهم ببيان مال المجرمين؛ الذين مضوا؛ ذكر الدليل القاطع على صحة البعث، والجزاء، فقال: {وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ..}. إلخ انتهى. وانظر سورة (ص) رقم [٢٧].

الإعراب: {وَما:} الواو: حرف استئناف. (ما): نافية. {خَلَقْنَا:} فعل، وفاعل.

{السَّماواتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. {وَالْأَرْضَ:} معطوف على ما قبله. (ما): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على ما قبله. {بَيْنَهُما:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، والهاء في محل جر بالإضافة، والميم والألف حرفان دالان على التثنية. {لاعِبِينَ:} حال من (نا) منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، وجملة: {وَما خَلَقْنَا..}. إلخ مستأنفة، لا محلّ لها.

{ما خَلَقْناهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩)}

الشرح: ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات إلا بالعدل، والحق المبين؛ الذي اقتضاه الدليل من الإيمان، والطاعة، والبعث، والجزاء. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:} الحق. وذكر الأكثر، إما لأن بعضهم لا يعرف الحق لنقصان عقله، أو لتقصيره في

<<  <  ج: ص:  >  >>