ثم اعلم: أن «عند» أمكن من «لدى» من وجهين: أحدهما: أنها تكون ظرفا للأعيان، والمعاني، تقول: هذا القول عندي صواب، وعند فلان علم به. ويمتنع ذلك في:«لدى» ذكره ابن الشجري في أماليه، ومبرمان في حواشيه. والثاني: أنك تقول: عندي مال؛ وإن كان غائبا، ولا تقول: لديّ مال إلا إذا كان حاضرا. قاله جماعة منهم: الحريري، وأبو هلال العسكري، وابن الشجري، وزعم المعري: أنه لا فرق بينهما، وقول غيره أصح. انتهى. «فتح القريب المجيب».
{وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ} أي: غير سائغ، يأخذ بالحلق، لا هو نازل، ولا هو خارج، وهو الغسلين، والزقوم، والضريع. قال تعالى في سورة (الحاقة): {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ،} وقال تعالى في سورة (الدخان): {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ،} وقال تعالى في سورة (الغاشية): {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ} وقال حمران بن أعين: قرأ النبي صلّى الله عليه وسلّم: {إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً..}. إلخ، فصعق. وقال خليد بن حسان: أمسى الحسن عندنا صائما، فأتيته بطعام، فعرضت له هذه الآية:{إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً..}. إلخ، فقال: ارفع طعامك، فلما كانت الثانية؛ أتيته بطعام، فعرضت له هذه الآية، فقال: ارفعوه، ومثله في الثالثة، فانطلق ابنه إلى ثابت البناني، ويزيد الضبي، ويحيى البكّاء، فحدثهم، فجاؤوه، فلم يزالوا به حتى شرب سويقا. والغصة: الشجا، وهو ما ينشب في الحلق من عظم، أو غيره، وجمعها: غصص. والغصص (بفتح الغين): مصدر قولك: غصصت يا رجل، تغص، فأنت غاص بالطعام، وغصّان، وأغصصته أنا، والمنزل غاصّ بالقوم؛ أي: ممتلئ بهم. انتهى. قرطبي وانظر سورة (الغاشية) تجد ما يسرك.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {لَدَيْنا:} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر {إِنَّ،} تقدم على اسمها، فهو منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المنقلبة ياء حينما اتصل به ضمير متحرك، و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {أَنْكالاً:} اسم {إِنَّ} مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {وَجَحِيماً:} معطوف على ما قبله. {وَطَعاماً:} معطوف أيضا. {ذا:} صفة (طعاما) منصوب مثله، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذا} مضاف، و {غُصَّةٍ} مضاف إليه. {وَعَذاباً:} معطوف على ما قبله.