للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخريات، وجمع الثانية: أواخر. هذا؛ والأخرى: دار البقاء، والنسبة إليها أخروي، وكلام آخر وأخر: ضد الأول.

الإعراب: {كَذلِكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مبتدأ محذوف؛ أي: الأمر كذلك، أو الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف، التقدير: نفعل فعلا مثل ذلك بمن نريد إهلاكه، وإن اعتبرت الكاف اسما؛ فالمحل لها، وهي مضاف، واسم الإشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب. وعلى هذا: فالوقف على: {كَذلِكَ،} والجملة معترضة بين الجملة اللاحقة، والسابقة المتعاطفتين.

وقال الزمخشري: الكاف منصوبة على معنى: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها. {وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ} ليسوا منهم، فعلى هذا يكون: {وَأَوْرَثْناها} معطوفا على تلك الجملة الناصبة للكاف، فلا يجوز الوقف على {كَذلِكَ} حينئذ. انتهى. جمل. {وَأَوْرَثْناها:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {قَوْماً:} مفعول به ثان. {آخَرِينَ:} صفة: {قَوْماً}.

{فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩)}

الشرح: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ:} مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم، والاعتداد بوجودهم، كقولهم: بكت عليهم السماء، وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك، ومنه ما روي في الأخبار: أنّ المؤمن ليبكي عليه مصلاه، ومحل عبادته، ومصعد عمله، ومهبط رزقه.

فقد روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مؤمن إلاّ وله في السماء بابان: باب ينزل منه رزقه، وباب يدخل منه كلامه، وعمله، فإذا مات؛ فقداه، فبكيا عليه، ثم تلا قوله تعالى: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ»}.

وقال مجاهد-رحمه الله تعالى-: إن السماء، والأرض يبكيان على المؤمن أربعين صباحا. قال أبو يحيى: فعجبت من قوله، فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد يعمرها بالركوع والسجود! وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه، وتكبيره فيها دوي كدوي النحل! وقال شريح الحضرمي: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء يوم القيامة!» قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: «هم الذين إذا فسد النّاس؛ صلحوا». ثم قال: «ألا لا غربة على مؤمن، وما مات مؤمن في غربة غائبا عنه بواكيه؛ إلاّ بكت عليه السماء والأرض». ثم قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ} ثم قال: «ألا إنّهما لا يبكيان على الكافر».

قال السدي: لما قتل الحسين بن علي-رضي الله عنهما-: بكت عليه السماء، وبكاؤها حمرتها. وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد؛ قال: لما قتل الحسين بن علي-رضي الله عنهما-:

احمرّ له آفاق السماء أربعة أشهر. وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم: بكت له السماء

<<  <  ج: ص:  >  >>