الشرح:{أَوْ كَالَّذِي..}. إلخ: التقدير عند الكسائي، والفراء: هل رأيت كالّذي حاجّ إبراهيم في ربه؟ أو كالذي مر على قرية؟ وقال المبرد: المعنى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه، ألم تر من هو كالّذي مرّ على قرية؟ فأضمر في الكلام: من هو. انتهى. قرطبي. وقيل: الكاف مزيدة، وتقدير الكلام: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم، أو الذي مرّ على قرية؟. انتهى.
بيضاوي. وهو فحوى قول الزّمخشري: ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ، كأنه قيل:
أرأيت كالّذي حاجّ إبراهيم؟ أو كالّذي مرّ على قرية؟ وتخصيص الكلام بحرف التشبيه؛ لأن المنكر للإحياء كثير، والجاهر بكيفيته أكثر من أن يحصى بخلاف مدّعي الرّبوبية.
والذي مرّ هو عزير بن شرخيا، وهو من سبط هارون بن عمران. {عَلى قَرْيَةٍ:} هي بيت المقدس حين خرّبه بختنصر بعد سليمان بن داود، على نبينا، وعليهما ألف صلاة، وألف سلام، وانظر ما ذكرته في أول سورة (الإسراء). وقيل: هي القرية التي خرج منها الألوف المذكورون في الآية رقم [٢٤٣]، وليس بشيء. هذا؛ والقرية اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم، وهو يطلق على المدينة الكبيرة وعلى غيرها، كيف لا؟ وقد جعل الله جل ذكره مكة المكرمة أم القرى في قوله تعالى شأنه في الآية رقم [٩٢] من سورة (الأنعام): {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها،} كما تطلق على الضّيعة الصغيرة، وهي مأخوذة من: قريت الماء في المكان: جمعته، وفي القاموس المحيط: القرية بكسر القاف وفتحها، والنسبة إليها قرويّ، وقرئيّ، والفتح أقوى.
{وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها:} خالية، ساقطة حيطانها على سقوفها، فوقف متنكرا فيما آل إليه أمرها بعد العمارة العظيمة، والزخرفة الجميلة؛ التي صنعها سليمان فيها. {قالَ أَنّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها:} وذلك لما رأى من دثورها، وشدّة خرابها، وإحياؤها إنما هو بعمارتها، وتشييدها، ووجود السكان فيها، وخوت الدار، وخويت: لا سكان فيها، ومنه قوله تعالى في سورة (النمل) رقم [٥٢]: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا،} وقوله هذا تلهّف على مدينته التي عهد فيها أهله، وأحبته، ثمّ رآها خرابا يبابا، وعلى كلّ فموت القرية هو موت سكانها، فهو مجاز مرسل من قبيل إطلاق المحل، وإرادة الحال.