الشرح:{قالَ آمَنْتُمْ..}. إلخ وفي (الأعراف): {آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ..}. إلخ. يقال: آمن بالله، وآمن به، وآمن له، فهو إنكار منه عليهم؛ أي: تعديتم، وفعلتم ما لم آمركم به. {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} أي: رئيسكم في التعليم، وإنما غلبكم؛ لأنه أحذق به منكم، وأبرع، وإنما أراد فرعون بقوله هذا ليشبه على الناس؛ حتى لا يتبعوهم، فيؤمنوا كإيمانهم، وإلا فقد علم:
أنهم لم يتعلموا من موسى، بل قد علموا السحر قبل قدوم موسى وولادته، ولا تنس: أنه قال في سورة (الأعراف) بعد هذا القول: {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها}.
{فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ:} قرئت الأفعال هنا وفي سورة (الأعراف) بفتح الهمزة، وتخفيف النون، والمراد: بقوله: {مِنْ خِلافٍ:} اليد اليمنى، والرجل اليسرى. قيل: إنه أول من سن ذلك، فشرعه الله للبغاة، وقطاع الطريق تعظيما لجرمهم، ولذا سماه محاربة الله ورسوله، ولكن على التعاقب لفرط رحمته، انظر الآية رقم [٣٣] من سورة (المائدة). {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: على جذوع النخل؛ لأن «في» بمعنى: «على» قال سويد بن أبي كاهل اليشكري: [الطويل]
هم صلبوا العبديّ في جذع نخلة... فلا عطست شيبان إلاّ بأجدعا
وقيل: هي على بابها؛ لأن الجذع مكان للمصلوب، ومحتو عليه. قيل: إنه نقر جذوع النخل حتى جوفها، ووضعهم فيها فماتوا جوعا، وعطشا بعد أن قطع الأيدي والأرجل، وهذا كله لم يصرفهم عن الإيمان بالله، ورسوله. {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى:} فهو يريد نفسه، وموسى عليه السّلام، وموسى لم يعذب أحدا، فهو يريد تحقير موسى، والهزء به؛ لأنه لم يكن من التعذيب في شيء، والفعل يحتمل أن يكون قلبيا، وأن يكون عرفانيا، {وَأَبْقى:} أطول عذابا، وأدومه، فحذف التمييز لدلالة ما قبله عليه.
بعد هذا انظر شرح (النخل) في الآية رقم [٢٤] وما بعدها من سورة (إبراهيم) عليه السّلام تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. وانظر شرح (اليد) في الآية رقم [٦٣] من سورة (مريم). وانظر شرح (السحر) في الآية رقم [٥٧]. أما {عَذاباً} فهو اسم مصدر لا مصدر؛ لأن المصدر تعذيب؛ لأن الفعل عذب، يعذب بتشديد الذال فيهما. وقيل: هو مصدر على حذف الزوائد، مثل: