{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠)}
الشرح: {إِنَّهُ} أي: الله. {يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ} أي: ما تجاهرون به من العداوة والطعن في الإسلام. {وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ} أي: ما تخفون من الإحن والأحقاد للمسلمين فيجازيكم على ذلك، هذا؛ و {يَعْلَمُ} من المعرفة لا اليقين انظر الآية رقم [٣٩]. هذا؛ و «كتم» من باب نصر، وربما عدّي «كتم» إلى مفعولين، فيقال: كتمت زيدا الحديث، وتزاد «من» جوازا في المفعول الأول، فيقال: كتمت من زيد الحديث، وكتم الشيء: بالغ في كتمانه، واكتتم الشيء: اصفرّ. هذا؛ والكتم، والكتمان: نبت يخضب به الشعر، ويصنع منه مداد الكتابة، ورحم الله البوصيري إذ يقول: [البسيط]
فإنّ أمّارتي بالسّوء ما اتّعظت... من جهلها بنذير الشّيب والهرم
ولا أعدّت من الفعل الجميل قرى... ضيف ألمّ برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أنّي ما أوقّره... كتمت سرّا بدا لي منه بالكتم
الإعراب: {إِنَّهُ:} حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمه. {يَعْلَمُ:} مضارع، والفاعل يعود إلى {إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ}. {الْجَهْرَ:} مفعول به. {مِنَ الْقَوْلِ:} متعلقان بمحذوف حال من الجهر، وجملة: {يَعْلَمُ..}. إلخ في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية: {إِنَّهُ..}. إلخ في محل نصب مقول القول. {يَعْلَمُ:} مضارع، والفاعل تقديره: «هو». {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: يعلم الذي، أو: شيئا تكتمونه في صدوركم، وجملة:
{يَعْلَمُ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها.
{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١)}
الشرح: معنى الآية: وما أدري لعل تأخير العذاب عنكم استدراج لكم، وزيادة في افتتانكم، واختباركم، وامتحان لكم؛ ليرى كيف تعملون، وكيف تصنعون، وهو أعلم بكم.
هذا؛ وذكر القرطبي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى في منامه: أن بني أمية يلون الناس. فلا وجه له هنا ألبتة، ولم يقل به غيره. و {أَدْرِي} ماضيه درى بمعنى علم، فهو من أفعال اليقين، فينصب مفعولين كقول الشاعر: [الطويل]
دريت الوفيّ العهد، يا عمرو، فاغتبط... فإنّ اغتباطا بالوفاء حميد
وهو قليل؛ إذ الكثير المستعمل فيه أن يتعدى إلى واحد بالباء نحو دريت بكذا، فإن دخلت عليه همزة النقل تعدى إلى واحد بنفسه، وإلى واحد بالباء، نحو قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما}