للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١)}

الشرح: {لَهُ}: الضمير يعود إلى {مِنْ} في الآية السابقة بمعانيه الأربعة. {مُعَقِّباتٌ} أي: ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار، وقال:

معقبات والملائكة ذكران؛ لأنه جمع: معقبة، يقال: ملك معقب، وملائكة معقبة، ثم {مُعَقِّباتٌ} جمع الجمع، هذا؛ ويقرأ: «(له معاقيب)» وهو جمع: معقب، والمراد بالمعقبات:

الملائكة الحفظة الموكلون بحفظ ابن آدم ذكر، أو أنثى، وقيل: بل المراد: الملكان الموكلان بكتابة الأعمال، صالحها وسيئها، حسنها وقبيحها، فكاتب الحسنات على اليمين، وهو أمين على كاتب السيئات الذي على الشمال. فإذا عمل العبد حسنة؛ كتبها له بعشر أمثالها، وإذا عمل سيئة، قال صاحب الشمال لصاحب اليمين: أكتبها عليه فيقول: أنظره، لعله يتوب، لعله يستغفر. فيستأذنه ثلاث مرات، فإن هو تاب منها، وإلا؛ قال: اكتبها عليه سيئة واحدة.

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثمّ يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم، وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم، وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون». وهذا يشمل جميع الملائكة الذين يكتبون، أو يحفظون.

هذا، وقيل: إن الضمير في {لَهُ} يعود إلى الله، وقال الخازن: الضمائر تعود إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأورد قصة عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة. {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ}: من أمامه. {وَمِنْ خَلْفِهِ}: من وراء ظهره. {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} أي: بأمر الله وإذنه ما لم يجئ القدر، فإذا جاء تخلّوا عنه لينفذ أمر الله وقضاؤه، وهذا يؤيد: أن المراد بالمعقبات الحفظة، لا الكتبة، قال كعب بن الأحبار: لولا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم، وعوراتكم؛ لتخطفتكم الجن، وقيل: معنى يحفظونه: يحفظون عليه الحسنات والسيئات، ولا أعتمده.

{إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ} أي: ما هم فيه من النعمة والعافية التي أنعم بها عليهم.

{حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} أي: من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة، فيعصون ربهم، ويجحدون نعمه، فعند ذلك تحل بهم نقمته. وكل المفسرين قالوا هذا، وأرى أن العكس صحيح، أي: إذا نزل بقوم شر وبلاء، وسلبهم النعمة والرخاء، وذلك بسبب المعاصي والمنكرات، فلا يرفع الله عنهم ذلك، ويعيد إليهم نعمتهم المسلوبة، ورخاءهم الضائع حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>