الشرح:{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} أي: خائفون، والمعنى: أن المؤمنين بما هم عليه من خشية الله خائفون من عقابه، قال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-: المؤمن جمع إحسانا، وخشية، والمنافق جمع إساءة، وأمنا. {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ} أي: آيات القرآن، أو الآيات الموجودة في الأرض، والسماء الدالة على قدرة الواحد الديان. {يُؤْمِنُونَ:} يصدقون.
{وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} أي: معه أحدا في ذاته، أو في صفاته، أو في أفعاله شركا جليا، ولا خفيا.
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا} أي: يعطون ما أعطوا من الزكاة، والصدقات. وقيل: يعملون ما عملوا من أعمال البر، وقرئ: «(يأتون ما أتوا)»: مقصور؛ أي: يفعلون ما فعلوا من الطاعات.
{وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ:} خائفة أن لا يقبل منهم ما أعطوا من الصدقات، وما فعلوا من الطاعات، وأن لا يقع على الوجه اللائق، فيؤخذوا به. {أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ} أي: خوفهم؛ لأنهم إلى الله راجعون يوم القيامة، وهو يعلم ما يخفى عليهم. وفيه تنبيه على الخاتمة، وفي صحيح البخاري:
«وإنما الأعمال بالخواتيم» وأما المخلط، والمسرف على نفسه، فينبغي له أن يكون تحت خوف من أن ينفذ عليه الوعيد بتخليطه وإسرافه. وقال أصحاب الخواص: وجل العارف من طاعته أكثر وجلا من وجله من مخالفته؛ لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب بتصحيح الغرض.
بعد هذا: فعن عائشة الصديقية-رضي الله عنها، وعن أبويها-أنها قالت: يا رسول الله! {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهم الذين يشربون الخمر، ويسرقون؟ قال:«لا يا بنت الصديق! ولكن هم الّذين يصومون، ويصلون، ويتصدّقون، ويخافون ألا يقبل منهم، أولئك الّذين يسارعون في الخيرات». أخرجه الترمذي.
وقال الحسن-رحمه الله تعالى-: لقد أدركنا أقواما كانوا من حسناتهم أن تردّ أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها. وفي رواية أخرى عنه: عملوا والله بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن تردّ عليهم. هذا؛ وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم؛ عقّب ذلك بذكر المؤمنين المسارعين في الخيرات، ووعدهم، وذكر ذلك بأبلغ صفاتهم. انتهى. أقول: وهذا من باب المقابلة بين الفريقين، وقد نبهت على ذلك مرارا، انظر الآية رقم [١٤] من سورة (الحج).