للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ:} حرف شرط جازم. {كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمه. {صادِقِينَ:} خبره منصوب... إلخ، والجملة الفعلية لا محلّ لها

إلخ، وجواب الشرط محذوف. انظر تقديره في الشّرح. و {إِنْ} ومدخولها كلام معترض في الآخر، لا محل له، المراد منه تحدّيهم، وإظهار كذبهم.

{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)}

الشرح: لا تزال الآيات الكريمة تتابع أحداث غزوة أحد، وتكشف عن أسرار المنافقين، ومواقفهم المخزية لهم في الدّنيا، والآخرة، وبينت ما أعدّ الله من الكرامة للشهداء شهداء أحد وغيرهم إلى يوم القيامة، فهي عامّة في جميع الشهداء، فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لمّا أصيب إخوانكم بأحد؛ جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنّة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم؛ قالوا: من يبلّغ إخواننا عنّا: أنّا أحياء في الجنّة، نرزق؛ لئلاّ يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب؟! فقال الله سبحانه: أنا أبلّغهم عنكم، قال: فأنزل الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} إلى آخر الآيات.

وعن جابر-رضي الله عنه-قال: لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «يا جابر! ما لي أراك منكّسا مهتما؟!». قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك عيالا، وعليه دين، فقال: «ألا أبشّرك بما لقي الله-عزّ وجلّ-به أباك؟» قلت: بلى يا رسول الله! قال: «إنّ الله أحيا أباك، وكلّمه كفاحا (مواجهة) وما كلّم أحدا قطّ إلاّ من وراء حجاب، فقال له: يا عبدي! تمنّ؛ أعطك، قال: يا ربّ، فردّني إلى الدّنيا، فأقتل فيك ثانية، فقال الربّ-تبارك وتعالى-: إنّه سبق منّي: أنّهم إليها لا يرجعون، قال: يا ربّ فأبلغ من ورائي، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا..}. إلخ». رواه ابن ماجة، والترمذي، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٥٤]: من سورة (البقرة). وخذ هنا ما يلي:

فعن أبي موسى-رضي الله عنه-: أنّ أعرابيّا أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل؛ ليذكر، والرجل يقاتل؛ ليرى مكانه؛ فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله». أخرجه الشيخان، وغيرهما.

وينبغي أن تعلم: أنّ الشهيد ثلاثة أنواع: شهيد في الدنيا، والآخرة، وشهيد في الدنيا، وشهيد في الآخرة فقط، فالأول: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، والثاني: من قاتل للمغنم، أو ليذكر، أو لغرض من أغراض نفسه الدنيوية، والثالث: خذه ممّا يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما تعدّون الشّهيد فيكم؟» قالوا:

يا رسول الله من قتل في سبيل الله؛ فهو شهيد. قال: «إنّ شهداء أمّتي إذا لقليل» قالوا: فمن هم

<<  <  ج: ص:  >  >>