الشرح:{فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ:} فهذا تفصيل لأحوال الناس عند العرض، {كِتابَهُ بِيَمِينِهِ:}
إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة. {فَيَقُولُ:} ابتهاجا، وسرورا، وذلك حين بلغ الغاية في السرور، وعلم: أنه من الناجين بإعطائه كتابه بيمينه، أحب أن يظهر ذلك لغيره؛ حتى يفرحوا له. وقيل: يقول ذلك لأهله، وأقربائه، {إِنِّي ظَنَنْتُ:} علمت، وتيقنت {أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ:} أني سألقى حسابي، وجزائي يوم القيامة، فأعددت له العدة من الإيمان، والعمل الصالح. قال الحسن: إن المؤمن أحسن الظن بربه، فأحسن العمل، وإن المنافق أساء الظن بربه، فأساء العمل. هذا؛ و {هاؤُمُ} بمعنى: خذوا، وفيها استعمالان، وذلك: أنها تكون فعلا صريحا، وتكون اسم فعل، ومعناها في الحالين: خذوا، فإن كانت اسم فعل، وهي المذكورة في الآية الكريمة، ففيها لغتان: المد والقصر، تقول: هاء درهما يا زيد، وها درهما يا زيد، ويكونان كذلك في الأحوال كلها من إفراد وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث، وتتصل بهما كاف الخطاب اتصالها باسم الإشارة، فتطابق مخاطبك بحسب الواقع مطابقتها، وهي (أي: الكاف) ضمير المخاطب، تقول: هاك، هاءك... إلخ، ويخلف كاف الخطاب همزة متصرفة، تصرف كاف الخطاب، فتقول: هاء يا زيد، هاء يا هند، هاؤما، هاؤن، وهي لغة القرآن. وإذا كانت فعلا صريحا، لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها؛ كان فيها ثلاث لغات: إحداها: أنها تكون مثل: عاطى، يعاطي، فيقال: هاء يا زيد، هائي يا هند، هائيا يا زيدان، أو يا هندان، هاؤوا يا زيدون، هائين يا هندات. الثانية: أن تكون مثل: هب، فيقال: ها، هئي، ها، هئوا، هأن، مثل: هب، هبي، هبا، هبوا، هبن. الثالثة: أن تكون مثل خف، أمرا من الخوف، فيقال: هأ، هائي. هاآ، هاؤوا، هأن، مثل: خف خافي، خافا، خفن. واختلف في مدلولها، فالمشهور:
أنها بمعنى خذوا، وقيل: معناها: تعالوا، فتتعدى ب:«إلى»، وقيل: معناها القصد. انتهى.
الجمل نقلا من السمين.
عن عائشة-رضي الله عنها-، قالت: ذكرت النار، فبكيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«ما يبكيك؟». قلت: ذكرت النار، فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال:«أما في ثلاثة مواطن، فلا يذكر أحد أحدا: عند الميزان؛ حتى يعلم: أيخف ميزانه، أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف؛ حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله، أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم؛ حتى يجوز». رواه أبو داود، وزاد فيه الحاكم:«وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حافتاه كلاليب كثيرة، وحسك كثير، يحبس الله بها من يشاء من خلقه؛ حتى يعلم أينجو أم لا؟».