الشرح:{فَسِيحُوا}: سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين أحدا من المسلمين بحرب، ولا سلب، ولا قتل، ولا أسر. {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}: هي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم؛ لأن الآية نزلت في شوال، وقيل: هي عشرون من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر؛ لأن التبليغ كان يوم النحر، كما ستعرفه، وانظر شرح الأشهر في الآية رقم [٣٧]. {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ} أي: اعتقدوا وتيقنوا: أنكم لا تعجزون الله، ولا تفوتونه، واعتقدوا أن الله مذل الكافرين بالقتل والأسر في الدنيا، والعذاب في الآخرة، وانظر شرح {كَفَرُوا} في الآية رقم [٦٦](الأعراف)، هذا؛ و {غَيْرُ} اسم شديد الإبهام، ولا يتعرف بالإضافة لمعرفة وغيرها، وهو ملازم للإضافة، ويجوز أن يقطع عنها، إن فهم المعنى، أو تقدمت كلمة ليس عليها، يقال: قبضت عشرة ليس غير، وهو مبني على الضم، أو الفتح خلاف، وإن أردت الزيادة فانظر مبحثها في كتابنا:«فتح القريب المجيب».
تنبيه: لقد اختلف العلماء في هذا التأجيل، وفي هؤلاء الذين برئ الله ورسوله إليهم من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال مجاهد: هذا التأجيل من الله للمشركين، فمن كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة أشهر، ومن كانت مدته أكثر حطه إليها، ومن كان عهده بغير أجل معلوم محدود حدّه بها، ثم هو بعد ذلك حرب لله ولرسوله، يقتل حيث أدرك، ويؤسر إلا أن يتوب ويرجع إلى الإيمان، وكان ابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر، وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر في السنة التاسعة للهجرة على المعتمد.
وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أراد الحج، فقيل له: إن المشركين يحضرون، ويطوفون بالبيت عراة، فقال:«لا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك». فبعث أبا بكر-رضي الله عنه-في تلك السنة أميرا على الحج، ثم بعد مسيره بأيام نزلت الآيات من أول سورة براءة، فبعث بها مع علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-على ناقته العضباء ليقرأ الآيات على الناس، وأمره أن يؤذن بمكة ومنى، وعرفة: أن قد برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فقيل له: لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يبلغ عني إلا رجل مني، فلما قرب علي رضي الله عنه سمع أبو بكر رضي الله عنه الرغاء، فوقف، وقال: هذا رغاء ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما لحقه، قال: أمير أم مأمور؟ قال: بل مأمور، فلما كان يوم التروية، خطب أبو بكر الناس، وعلمهم مناسكهم، ووقف علي يوم النحر عند جمرة العقبة، وقال: يا أيها الناس! إني رسول الله إليكم.
قالوا: بماذا؟ فقرأ عليهم الآيات من أول سورة براءة ثلاثين أو أربعين، ثم قال: أمرت بأربع: