{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً:} حتى لا يدخله الإيمان. وقال الكلبي: ليس للخير فيه منفذ. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا سمع ذكر الله؛ اشمأز قلبه، وإذا سمع ذكر الأصنام؛ ارتاح إلى ذلك.
أقول: ولعله أخذه من قوله تعالى {وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. هذا؛ وقرئ:{ضَيِّقاً} بالتخفيف، والتشديد. وقرئ:
«حرجا» بفتح الراء، وكسرها. {كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ:} شبه الله الكافر مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة، ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه، كما يمتنع منه الصعود. وقيل: معناه: كأنه يتصاعد إلى السماء نبوّا عن الحق، وتباعدا في الهرب منه. وأصل {يَصَّعَّدُ} يتصعد، وقد قرئ به، كما قرئ بالتخفيف، وقرئ: «(يصّاعد)» بمعنى متصاعد، وانظر شرح {السَّماءِ} في الآية [٩٩]. {كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} أي: كما يضيق صدر الكافر، ويبعد قلبه عن قبول الحق يجعل العذاب أو الخذلان على الكافرين الذين لا يؤمنون بآيات الله. بعد هذا انظر (يريد) في الآية رقم [٥/ ١٧]. {اللهُ:} انظر الاستعاذة، وانظر:{أَضَلَّ اللهُ} في الآية رقم [٨٨] من سورة (النساء) فإنه جيد.
الإعراب:{فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} انظر إعراب هذا الكلام في الآية رقم [٣٩] والمصدر المؤول من: {أَنْ يَهْدِيَهُ} في محل نصب مفعول به. {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً} إعرابه واضح إن شاء الله تعالى، وهو مثل سابقه. {حَرَجاً:} قيل: هو صفة لما قبله، ولا أراه قويّا، وإنما أرى: أنه من تعدد المفعول الثاني؛ لأن أصل ما قبله خبر ل:{صَدْرَهُ} والخبر يتعدد بلا ريب، فقولك (صدره ضيق حرج) كلام لا غضاضة فيه، فلما دخل الفعل الذي هو من أفعال التصيير والتحويل، فتعدد الخبر صار من تعدد المفعول الثاني. احفظه فإنه جيد.
{كَأَنَّما:} كافة ومكفوفة. {يَصَّعَّدُ:} مضارع، وفاعله مستتر تقديره:«هو» يعود إلى (من).
{فِي السَّماءِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية:{كَأَنَّما..}. إلخ في محل نصب حال من الضمير المنصوب، والرابط: رجوع الفاعل إليه. {كَذلِكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لمفعول مطلق محذوف عامله ما بعده، التقدير: يجعل الله الرجس... جعلا كائنا مثل جعل صدر الكافر ضيقا... إلخ. {يَجْعَلْ:} مضارع. {اللهُ:} فاعله. {الرِّجْسَ:} مفعول أول. {عَلَى الَّذِينَ:} متعلقان بمحذوف مفعول ثان، وجملة:{لا يُؤْمِنُونَ} مع المتعلق المحذوف صلة الموصول، والكلام:{كَذلِكَ..}. إلخ مع المقدر المحذوف كله مستأنف لا محل له.
الشرح:{وَهذا:} هذه الإشارة إلى البيان الذي جاء به القرآن في هذه السورة، وهو ما رأيته. {صِراطُ رَبِّكَ:} طريق ربك الذي ارتضاه الله، وهو الإسلام، والدين الذي جاء به