للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نهاره، قائم في ليله، لذا فوصف الناصية بالكذب والخطيئة مجاز عقلي، والخاطئ: الذي يفعل الذنب متعمدا، والمخطئ: الذي يفعله بدون قصد. تأمل، وتدبر، وربك أعلم.

الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر قطعا. {لَئِنْ:} اللام: موطئة للقسم. (إن): حرف شرط جازم. {لَمْ:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {يَنْتَهِ:} فعل مضارع مجزوم ب‍: {لَمْ،} وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، وهو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها وهو فعل الشرط. والفاعل يعود إلى أبي جهل، تقديره: «هو»، والمتعلق محذوف، انظر تقديره في الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَنَسْفَعاً:} اللام: واقعة في جواب القسم. (نسفعن): فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل مستتر تقديره: «نحن». {بِالنّاصِيَةِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب القسم، وحذف جواب الشرط لتقدم القسم عليه على القاعدة: «إذا اجتمع شرط، وقسم فالجواب للسابق منهما». قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]

واحذف لدى اجتماع شرط وقسم... جواب ما أخّرت فهو ملتزم

{ناصِيَةٍ:} بدل من (الناصية) بدل نكرة من معرفة. قال الزمخشري: لأنها وصافات، فاستقلت بفائدة، وليس وصفها بشرط عند البصريين في إبدال النكرة من المعرفة. {كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ:} صفتان ل‍:

{ناصِيَةٍ،} والجملة الشرطية والقسمية كلام مبتدأ بعد {كَلاّ} لا محل له. هذا؛ وقرئ برفع «(ناصية)» على إضمار مبتدأ قبلها، وبالنصب على الذم بفعل محذوف، وهذان الوجهان على القطع.

{فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاُسْجُدْ وَاِقْتَرِبْ (١٩)}

الشرح: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ} أي: فليدع أهل ناديه؛ لأن النادي لا ينادى، والنادي هو المجلس الذي ينتدي فيه القوم، ولا يسمى المكان ناديا حتى يكون فيه أهله. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٥] من سورة (الدهر) فإنه جيد بحمد الله، وتوفيقه، والمعنى: فليدع أهل مجلسه، وعشيرته؛ فليستنصر بهم؛ لينقذوه من عذاب الله. ففي الكلام مجاز مرسل من إطلاق المحل وإرادة الحال.

{سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} أي: الملائكة الغلاظ الشداد. وعن ابن عباس، وغيره: واحدهم زبنيّ قاله الكسائي. وقال الأخفش: زابن. وقال أبو عبيدة: زبنية. وقيل: زباني. وقيل: هو اسم للجمع، كالأبابيل، والعباديد. وقال قتادة: هم الشّرط في كلام العرب، والمراد بهم في الآية الكريمة:

خزنة جهنم، فقد روي في الخبر: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قرأ هذه السورة، وبلغ إلى قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ} قال أبو جهل: أنا أدعو قومي؛ حتى يمنعوا عني ربك. فقال الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} فلما سمع ذكر الزبانية رجع فزعا، فقيل له: خشيت منه؟ قال: لا، ولكن رأيت عنده فارسا فهددني بالزبانية، فما أدري ما الزبانية، ومال إليّ الفارس، فخشيت منه أن يأكلني.

<<  <  ج: ص:  >  >>