للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١)}

الشرح: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ:} انظر الآية رقم [٤٤]. {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ:} اختلف العلماء فيهما، فقيل: هما كلّ معبود من دون الله تعالى. وقيل: هما صنمان لقريش سجد اليهود لهما مرضاة لقريش. وقيل: الجبت: اسم للأصنام، والطاغوت:

شياطين الأصنام، ولكل صنم شيطان يدخل فيه، ويكلّم النّاس، فيفترون بذلك. وقيل: الجبت:

الكاهن، والطاغوت: الساحر. وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: الجبت، والطاغوت هاهنا كعب ابن الأشرف، وحيي بن أخطب. وقال الفاروق-رضي الله عنه-: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان، ولعلّ قول ابن مسعود أقرب إلى الصّواب بدليل قوله تعالى في الآية رقم [٦٠] الآتية: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ}.

و ({الطّاغُوتِ})، كل ما عبد من دون الله، ومنه قوله تعالى: {وَعَبَدَ الطّاغُوتَ} رقم [٦٠] من سورة (المائدة)، وفي سورة (البقرة) رقم [٢٥٦]: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ..}. إلخ، وهو يطلق على المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث. واشتقاقه من: طغا، يطغو. أو من طغى، يطغى: إذا تجاوز الحدّ، ومنه قوله تعالى في سورة (الحاقة): {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} ويجمع على: طواغيت، ولم يرد في القرآن الكريم بلفظ الجمع.

{وَيَقُولُونَ:} أي: يقول اليهود الذين أوتوا نصيبا من الكتاب. {لِلَّذِينَ كَفَرُوا:} المراد أبو سفيان، وأصحابه من قريش. {أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً:} أقوم دينا، وأرشد طريقا.

تنبيه: نزلت الآية الكريمة في كعب بن الأشرف، وحيي بن أخطب، وسبعين راكبا من اليهود، قدموا مكّة بعد وقعة أحد؛ ليحالفوا قريشا على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزل كعب بن الأشرف على أبي سفيان، فأحسن مثواه، ونزل باقي اليهود على قريش في دورهم، فقال لهم أهل مكّة: أنتم أهل كتاب، ومحمّد صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردتم أن نخرج معكم، فاسجدوا إلى هذين الصنمين، ففعلوا ذلك، فذلك قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ}.

ثمّ قال كعب بن الأشرف الخبيث لأهل مكة: ليخرج منكم ثلاثون رجلا، ومنا ثلاثون، فنلزم أكبادنا بالكعبة، فنعاهد ربّ هذا البيت لنجهدنّ في قتال محمّد! ففعلوا، ثم قال أبو سفيان لكعب بن الأشرف: إنّك امرؤ تقرأ الكتاب، وتعلم. ونحن أميّون، لا نعلم؛ فأينا أهدى سبيلا:

نحن، أم محمد؟ فقال كعب بن الأشرف: اعرض عليّ دينكم. فقال أبو سفيان: فنحن ننحر

<<  <  ج: ص:  >  >>