للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيدا، كما سماه: استدراجا؛ لكونه في صورة الكيد، فما وقع لهم من سعة الأرزاق، وطول الأعمار، وعافية الأبدان، إحسان في الظاهر، وبلاء في الباطن، ظاهره إحسان، وباطنه خذلان؛ لأن المقصود معاقبتهم، وتعذيبهم به. ويطلق على مثاله اسم: المجاز المرسل.

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إن مكري شديد، وفي المختار: الكيد: المكر، وربنا جل علاه منزه عن المكر والكيد، وإنما الكلام من باب المشاكلة، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته». ثم قرأ قوله تعالى في سورة (هود): {وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}. أخرجه الشيخان.

الإعراب: {وَأُمْلِي:} (الواو): حرف عطف. (أملي): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر تقديره: «أنا»، والجملة الفعلية معطوفة على جملة:

{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ..}. إلخ عطف تفسير. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {كَيْدِي:} اسم {إِنَّ} منصوب، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة. {مَتِينٌ:} خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية تعليلية، لا محل لها.

تنبيه: في الآيتين التفات من تكلم المفرد، إلى تكلم الجماعة، ثم إلى تكلم المفرد، انظر الالتفات في سورة (الملك) رقم [٢٠]. هذا؛ والآيتان مذكورتان في سورة (الأعراف) برقم [١٨٢ و ١٨٣].

{أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)}

الشرح: هذا الكلام في المعنى مرتبط بقوله سابقا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ}. والمعنى:

أتطلب منهم يا محمد أجرا، ومكافأة على ما تدعوهم إليه من الإيمان، أو على التبليغ، والإنذار؟! وهو استفهام إنكاري على منع الحصول، والوقوع من أصله، ليس شيء من ذلك قطعا! {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} يعني: أثقلهم ذلك المغرم الذي سألتهم، فمنعهم من الإيمان.

والمغرم: أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه، والمعنى: ألزمهم مغرم ثقيل فدحهم، فزهدهم ذلك في اتباعك؟! الواقع ليس شيء من هذا! بل يستولون بمتابعتك على خزائن الدنيا، ويكونون سادة العالم، وفي الآخرة يفوزون بجنات النعيم.

{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ} أي: علم الغيب، وهو ما غاب عنهم؛ حتى علموا: أن ما يخبرهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أمر القيامة والبعث بعد الموت باطل. {فَهُمْ يَكْتُبُونَ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: معناه: أعندهم اللوح المحفوظ، فهم يكتبون ما فيه، ويخبرون الناس به، أو يكتبون:

<<  <  ج: ص:  >  >>