الشرح: قال العلماء في شرح هذه الآية: لما حكم الله على أهل الشقوة بالشقاوة لقضائه وقدره السابق فيهم؛ أخبر في هذه الآية: أن تقدير الشقاوة عليهم ما كان ظلما منه، تعالت حكمته؛ لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء، والخلق كلهم عبيده، وكل من تصرف في ملكه لا يكون ظالما، وإنما قال:{وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ؛} لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب، وإن كان قد سبق قضاء الله وقدره فيهم. انتهى خازن. وفي الآية دليل على أن للعبد كسبا، وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٣٣].
الإعراب:{إِنَّ}: حرف مشبه بالفعل. {اللهَ}: اسمها. {لا}: نافية. {يَظْلِمُ}: مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ}. {النّاسَ}: مفعول به. {شَيْئاً}: نائب مفعول مطلق، وجوز اعتباره مفعولا ثانيا على تضمين {لا يَظْلِمُ}: معنى لا ينتقص: وجملة: {لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً}: في محل رفع خبر {إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ اللهَ..}. إلخ: ابتدائية أو مستأنفة لا محل لها على الاعتبارين، {وَلكِنَّ}: (لكنّ): حرف مشبه بالفعل. {النّاسَ}: اسمها. {أَنْفُسَهُمْ}: مفعول به مقدم. {يَظْلِمُونَ}: مضارع وفاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (لكن)، وعلى تخفيفها ف {النّاسَ} مبتدأ، والجملة الفعلية خبره، وعلى الوجهين فالجملة اسمية، وهي معطوفة على ما قبلها لا محل لها مثلها.
الشرح:{وَيَوْمَ}«نحشرهم»: انظر الآية رقم [٢٨] والفعل يقرأ بالياء والنون، وانظر (نا) في الآية رقم [٨] من سورة (هود). {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ}: يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا، أو في القبور لهول ما يرون، والمراد بهم الكفار، وأما المؤمنون فلم يستقلوا لبثهم في الدنيا؛ لأنهم انتفعوا فيها بالعمل الصالح، وهم في مأمن من الهول والفزع. {يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ} أي: يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا، وهذا أول ما ينشرون، ثم ينقطع التعارف، وهذا التعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني، وحملتني على الكفر، وليس تعارف مودة وعطف وشفقة، وأثبت القرطبي هذا التعارف بين الكافرين، واستدل بقوله تعالى:
{كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها} وغير ذلك {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ} أي: خسروا جنة عرضها السموات والأرض بسبب تكذيبهم بالبعث والحشر والنشور، ثم قيل: يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عز وجل بعد أن دل على البعث والنشور، وقيل: خسروا في حال لقاء الله؛ لأن الخسران