للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، وجملة: {فَكَذَّبُوا رُسُلِي} معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {فَكَيْفَ:} الفاء: حرف عطف. (كيف): اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر: {كانَ،} تقدم عليها، وعلى اسمها. ومفاد الاستفهام الإنكار، والتعجب معا.

{كانَ:} فعل ماض ناقص. {نَكِيرِ:} اسم {كانَ} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، والياء المحذوفة في محل جر بالإضافة، وجملة: {فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} معطوفة على جملة محذوفة، التقدير: فأهلكتهم، فكيف كان نكيري؟! وقدر البيضاوي المحذوف بقوله: فحين كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير، فكيف كان نكيري؟!

{قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)}

الشرح: {قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ:} أرشدكم، وأنصح لكم بخصلة واحدة، وأحذركم سوء عاقبة ما أنتم عليه. والخصلة الواحدة هي قوله تعالى: {أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَفُرادى:} ليس المراد بالقيام حقيقته، الذي هو الانتصاب على القدمين؛ بل المراد به النهوض بالهمة، والاعتناء، والاشتغال بالتفكر في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم، وما جاء به، وطلب القرآن من كفار قريش أن يتفكروا في أمره صلّى الله عليه وسلّم مثنى، وفرادى، ففيهما طباق بديع؛ لأن الاثنين يتفكران، ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه لينظر فيه، وأما الواحد فيفكر في نفسه أيضا بعدل ونصفة، فيقول: هل رأينا في هذا الرجل جنونا، أو جربنا عليه كذبا قط؟ وقد علمتم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم ما به من جنون؛ بل علمتموه أرجح قريش عقلا، وأرزنهم حلما، وأحدّهم ذهنا، وأرضاهم رأيا، وأصدقهم قولا، وأزكاهم نفسا، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال، ويمدحون به، وإذا علمتم بذلك؛ كفاكم أن تطالبوه بآية، وإذا جاء بها؛ تبين أنه نبي صادق فيما جاء به. انتهى. خازن. وهذا فحوى قوله تعالى: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} والتعبير ب‍: (صاحبكم) للإيماء إلى أن حال النبي صلّى الله عليه وسلّم مشهور بينهم؛ لأنه تربى في أحضانهم، وترعرع فيما بينهم، ويعرفون خلقه، وصدقه، وأمانته وعفته... إلخ، ولذلك سماه قومه: الأمين، وانظر شرح: {جِنَّةٍ} في الآية رقم [٨].

{إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ..}. إلخ: عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أنه قال: صعد النبي صلّى الله عليه وسلّم الصفا ذات يوم، فقال: يا صباحاه! فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم: أن العدو يصبحكم، أو يمسيكم، أما كنتم تصدقوني؟!». قالوا: بلى! قال صلّى الله عليه وسلّم: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب: تبا لك! ألهذا جمعتنا؟! فأنزل الله عز وجل:

{تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}. رواه البخاري. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٩٤] من سورة (الحجر) و (الشعراء) [٢١٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>