{قالَ يا مُوسى إِنِّي اِصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ (١٤٤)}
الشرح: {قالَ:} انظر «القول» في الآية رقم [٥]. {يا مُوسى:} انظر الآية رقم [١٠٣].
{اِصْطَفَيْتُكَ:} اخترتك، والاصطفاء: الاستخلاص، من الصفوة، والاجتباء. {عَلَى النّاسِ} أي: الموجودين في زمانك، وهارون وإن كان رسولا مثله، كان مأمورا باتباعه، ولم يكن كليما، ولا صاحب شرع. {بِرِسالاتِي:} بوحيي، وجمعت الرسالة لتنوع أحكامها، وتعاليمها.
وقرئ: «(برسالتي)» بالإفراد. بتكليمي إياك، فيكون مصدرا. ويحتمل أن يراد به التوراة، وما أوحاه الله إليه من قولهم، القرآن كلام الله. وقدم الرسالة على الكلام؛ لأنها أسبق، أو ليترقى إلى الأشراف. هذا؛ و (الكلام) يدل على أحد ثلاثة أمور:
أولها: الحدث الذي يدل عليه لفظ التكليم، فتقول: أعجبني كلامك زيدا، تريد تكليمك إياه.
وثانيها: ما يدور في النفس من خواطر، وهواجس، وكل ما يعبر عنه باللفظ لإفادة السامع ما قام بنفس المخاطب، فيسمى هذا الذي تخيلته في نفسك: كلاما في اللغة العربية، تأمل في قول الأخطل التغلبي: [البسيط]
لا يعجبنّك من خطيب خطبة... حتّى يكون مع الكلام أصيلا
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنما... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وثالثها: كل ما تحصل به الفائدة، سواء أكان ما حصلت به لفظا، أو خطّا، أو إشارة، أو دلالة حال، انظر إلى قول العرب: (القلم أحد اللسانين). وانظر إلى تسمية المسلمين ما بين دفتي المصحف: (كلام الله) ثم انظر إلى قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ} وإلى قوله جلت حكمته: {قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً} ثم انظر إلى قول الشاعر الذي نفى الكلام اللفظي عن محبوبته، وأثبت لعينيها القول، وذلك في قوله: [الطويل]
أشارت بطرف العين خيفة أهلها... إشارة محزون ولم تتكلّم
فأيقنت أنّ الطرف قد قال: مرحبا... وأهلا وسهلا بالحبيب المتيّم
ثم انظر إلى قول نصيب بن رباح: [الطويل]
فعاجوا فأثنوا بالّذي أنت أهله... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب