للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالَ رَبِّ اُحْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)}

الشرح: {قالَ} أي: النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقرئ: «(قل)». {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} أي: افصل بيني وبين من كذبني، أو المعنى: اقض بيننا، وبين أهل مكة بالعدل، أو بما يحق عليهم من العذاب، وشدّد عليهم، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الدعاء عليهم: «واشدد وطأتك على مضر». هذا؛ ويقرأ: «(ربّ)» بضم الباء، و: {رَبِّ احْكُمْ:} على معنى أحكم الأمور بالحق. {وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ} أي: كثير الرحمة على خلقه. {الْمُسْتَعانُ:} المطلوب منه المعونة في كل وقت، وحين. {عَلى ما تَصِفُونَ} أي: من الشرك، والكفر، والكذب، والأباطيل. هذا؛ ويقرأ الفعل بالياء أيضا. هذا؛ وقيل: كانوا يصفون الحال على خلاف ما جرت عليه، وكانوا يطمعون، ويؤملون أن تكون الشوكة لهم، فكذب الله ظنونهم، وخيب آمالهم، ونصر نبيه، والمؤمنين، وخذلهم؛ أي: الكفار. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

تنبيه: ختم الله السورة الكريمة بأن أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بتفويض الأمر إليه، وتوقع الفرج من عنده، روى سعيد بن جبير عن قتادة قال: كانت الأنبياء تقول: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ} فأمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} فكان إذا لقي العدو يقول، وهو يعلم: أنه على الحق، وعدوه على الباطل: {رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} أي: اقض. انتهى. قرطبي بتصرف.

الإعراب: {قالَ:} ماض، وفاعله مستتر تقديره: «هو»، أو (قل): أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {رَبِّ:} منادى حذف منه حرف النداء. {اُحْكُمْ:} أمر، وفاعله: أنت.

{بِالْحَقِّ:} متعلقان بالفعل قبلهما هذا؛ وعلى قراءة: «(ربي أحكم)» فهو مبتدأ وخبر، وعلى القراءتين فالكلام في محل نصب مقول القول، وجملة {قالَ..}. إلخ، أو (قل...) إلخ مستأنفة على القراءتين لا محل لها. {وَرَبُّنَا:} الواو: حرف استئناف. (ربنا): مبتدأ، و (نا): في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {الرَّحْمنُ:} خبر المبتدأ.

{الْمُسْتَعانُ:} صفة {الرَّحْمنُ}. {عَلى ما:} متعلقان بالمستعان؛ لأنه صيغة مفعول، و (ما) تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب‍: {عَلى} والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف؛ إذ التقدير: على الذي، أو:

على شيء تصفونه به. وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع الفعل بمصدر في محل جر ب‍: {عَلى} التقدير: المستعان على وصفكم الله ما لا يليق به، والجملة الاسمية: {وَرَبُّنَا..}. إلخ مستأنفة وهي في محل نصب مقول القول. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

انتهت سورة (الأنبياء) بعونه تعالى تفسيرا، وإعرابا. والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>