الشرح:{يُسَبِّحُ لِلّهِ:} إنما اختص التسبيح بالذكر من بين أنواع الذكر لبيان فضله على سائر الأذكار، كما اختص جبريل، وميكائيل بالذكر من بين الملائكة لبيان فضلهما؛ لأن معنى التسبيح تنزيه الله تعالى عما لا يجوز عليه من الصفات، ولأن التسبيح صلاة الخلق أجمعين وعبادتهم لله تعالى. قال تعالى في سورة (الإسراء) رقم [٤٤]: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً}. هذا؛ والتسبيح يأتي بمعنى الدعاء قال جرير:[الطويل] فلا تنس تسبيح الضّحى إن يوسفا... دعا ربّه فاختاره حين سبّحا
هذا؛ وقد جاء لفظ التسبيح في القرآن الكريم بالماضي أحيانا، وبالمضارع أحيانا، وبالأمر أحيانا، وبالمصدر أحيانا أخرى استيعابا لهذه المادة من جميع جهاتها، وألفاظها، وهي أربع:
المصدر، والماضي، والمضارع، والأمر، وهذا الفعل بألفاظه الأربعة، قد عدّي باللام تارة، مثل قوله:{سَبَّحَ لِلّهِ،} وقوله جلت حكمته: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ..}. إلخ، وأيضا الاية التي نحن بصدد شرحها. وبنفسه أخرى مثل قوله تعالى:{وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً،} رقم [٩] من سورة (الفتح)، ومثلها في سورة (الأحزاب) رقم [٤٢] وهو بصيغة الأمر: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً،} وقوله تعالى في آخر سورة (ق): {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} وأصله التعدي بنفسه؛ لأن معنى سبحته: بعدته من السوء، منقول من سبح: إذا ذهب، وبعد، فاللام إما أن تكون مثل:
نصحته، ونصحت له، وشكرته، وشكرت له. وإما أن يراد ب: سبّح لله: اكتسب التسبيح لأجل الله، ولوجهه خالصا. انتهى. النسفي من سورة (الحديد). وانظر شرح الأسماء الحسنى في الاية رقم [٢٣] من سورة (الحشر).
تنبيه: الأصل أن تكون (من) للعاقل و (ما) لغير العاقل، وقد يعكس هذا، فتستعمل (من) لغير العاقل، كما في قوله تعالى:{وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ} الاية رقم [٤٥] من سورة (النور)، وتستعمل:{ما} للعاقل كما في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ} رقم [٣] من سورة (النساء) وهذا من باب التقارض، وذلك قليل، وأكثر ما تكون {ما} للعاقل: إذا اقترن العاقل بغير العاقل-كما في الاية الكريمة-في حكم واحد، وقوله تعالى:
{وَلِلّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} رقم [٤٩] من سورة (النحل) فإن كل ما في السموات، والأرض ممن يعقل، وما لا يعقل قد اقترنا في حكم واحد، وهو السجود، والتسبيح، كما رأيت في آية (الإسراء) المذكورة فيما سبق، ويكون في الكلام تغليب. كما تستعمل في المبهم أمره، كقولك، وقد رأيت شبحا من بعد: انظر إلى ما أرى. و (من) و (ما) تكونان بلفظ واحد للمفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث.