الشرح:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ} أي: زعزعت الجبال عن مقارها لعظمة هذا القرآن وهيبته، كما قال تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ}{أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ}: تصدعت من خشية الله عند قراءته، أو شققت فجعلت عيونا أو أنهارا. {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى} أي: فتقرأه، أو فتسمع وتجيب عند قراءته، وجواب (لو) محذوف، اختلف في تقديره، فقال قوم: التقدير: ولو أن قرآنا فعل به كذا وكذا، لكان هذا القرآن، وإنما حذف اكتفاء بمعرفة السامع مراده، فهو كقول الشاعر:[الطويل]
فأقسم لو شيء أتانا رسوله... سواك؛ ولكن لم نجد لك مدفعا
أراد: لو شيء أتانا رسوله سواك لرددناه، وقال آخرون: جواب (لو) دل عليه ما قبله؛ إذ التقدير: ولو أن قرآنا سيرت... لكفروا به ولم يؤمنوا لما سبق في علمنا فيهم، وقد أظهر ما أضمر هنا في الآية رقم [١١١] من سورة (الأنعام)، وهي:{وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ} ... {ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ}. {بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} أي: هو المالك لجميع الأمور، الفاعل لما يشاء منها، فليس ما تطلبونه مما يكون بالقرآن، إنما يكون بأمر الله.
{أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا}: قال الكلبي: هو بمعنى: أفلم يعلم، وهي لغة النخع، وقيل: هي لغة هوازن، ويؤيده ما روي أن عليا وابن عباس، وجماعة من الصحابة والتابعين-رضوان الله عليهم أجمعين-قرءوا «(أفلم يتبين)» وهو تفسيره وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم؛ لأنه مسبب عن العلم بأن الميئوس منه لا يكون، وقال الليث وأبو عبيدة: هو بمعنى: ألم يعلم، واستدلوا لهذا اللغة بقول سحيم بن وثيل اليربوعي، وقال القرطبي: هو لمالك بن عوف النصري: [الطويل]
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني: ... ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم؟
زهدم اسم فرس سحيم، وقال رباح بن عدي:[الطويل]
ألم ييئس الأقوام أنّي أنا ابنه... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا؟
{أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً} أي: ولكنه لم يشأ لما سبق في علمه الأزلي، وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٩] وفي الآية رد على القدرية وغيرهم. {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما}