تأوي إلى الحظائر، فيزداد فرح أهلها بها، بخلاف تسريحها إلى المرعى، فإنها تخرج جائعة البطون، ضامرة الضروع، ثم تأخذ في التفرق، والانتشار إلى الرعي في البرية، فيظهر من هذا:
أن الجمال في الإراحة أكثر منه في التسريح، فاستحقت التقديم. هذا؛ وقرئ: «(حينا)» بالتنوين، وانظر شرح «الحين» في الآية رقم [٢٥] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام.
تنبيه: الجمال يكون في الصورة، وتركيب الخلقة، ويكون في الأخلاق الباطنة، ويكون في الأفعال، فأما جمال الخلقة، فهو أمر يدركه البصر، ويلقيه إلى القلب متلائما، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك، ولا نسبته لأحد من البشر، وأما جمال الأخلاق، فكونها على الصفات المحمودة من العلم، والحكمة، والعدل، والعفة، وكظم الغيظ، وإرادة الخير لكل أحد، وأما جمال الأفعال؛ فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق، وقاضية لجلب المنافع فيهم، وصرف الشر عنهم، وجمال الأنعام، والدواب من جمال الخلقة، وهو مرئي بالأبصار، موافق للبصائر، ومن جمالها: كثرتها، وقول الناس إذا رأوها: هذه نعم فلان. انتهى. قرطبي. نقلا عن السدي.
الإعراب:{وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ:} إعراب هذه الكلمات مثل إعراب: {لَكُمْ فِيها دِفْءٌ} والجملة الاسمية الحاصلة معطوفة على هذه أيضا. {حِينَ:} ظرف زمان متعلق بمحذوف صفة {جَمالٌ}. {تُرِيحُونَ:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {حِينَ} إليها، وعلى قراءة {حِينَ} بالتنوين فالجملة الفعلية صفة له، وما بعدها معطوف عليها، وإعرابه واضح، لا خفاء فيه، ومفعول الفعلين محذوف للاختصار.
الشرح:{وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ:}(الأثقال) جمع: ثقل، وهو متاع المسافر، وما يحتاج إليه من آلات السفر. والأثقال: الأوزار، والسيئات؛ لأنها تثقل الإنسان، وتورث له المشقة، والعذاب الأليم في نار الجحيم، قال تعالى في حق الكافرين الداعين المؤمنين إلى الكفر:
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ}. {إِلى بَلَدٍ} أي: غير بلدكم، وحمله على العموم أولى؛ وإن قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد من مكة إلى اليمن، وإلى الشام.
{لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ:} واصلين إلى ذلك البلد الذي تقصدونه. {إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} أي:
بالمشقة، والجهد، والعناء، والتعب. {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ} أي: بكم؛ حيث فتح لكم باب التوبة، والاعتذار، وكلفكم بالعبادات، والجهاد، فعرضكم لثواب الغزاة، والشهداء، وسخّر لكم الحيوانات؛ لتستعملوها في قضاء حوائجكم، ونقل أثقالكم من بلد إلى بلد. هذا؛ والرأفة: