أشد الرّحمة، و (رءوف) صيغة مبالغة، فالله أرأف بعباده من الوالدة بولدها، ومن رأفته أنه جعل النعيم الدائم جزاء على العمل القليل المنقطع، ومن رأفته: أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومن رأفته أشياء كثيرة يعسر حصرها، وعدّها، وهي معلومة عند ذوي الألباب. {رَحِيمٌ:} صيغة مبالغة، وانظر شرح البسملة في أول سورة (يوسف) عليه السّلام، وانظر شرح: {الْأَنْفُسِ} في الآية رقم [٥٣] منها أيضا.
هذا ويقرأ {بِشِقِّ} بكسر الشين وفتحها، وهما لغتان، مثل رق، ورق، وجص، وجص، ورطل ورطل، وقد رأيت شرحه، ويأتي بمعنى: النصف، يقال: أخذت شق الشاة وشقة الشاة، والشق أيضا: الناحية من الجبل، وهو أيضا الأخ الشقيق، يقال: هو أخي، وشق نفسي، وشق:
اسم كاهن من كهان العرب، والشق أيضا: الجانب. هذا؛ وقال الليث: «البلد» كل موضع من الأرض، عامر، أو غير عامر، خال، أو مسكون، والطائفة منه: بلد، والجمع: بلاد، زاد غيره: والمفازة تسمى: بلدة؛ لكونها مسكن الوحش، والجن، قال الأعشى: [البسيط]
وبلدة مثل ظهر التّرس موحشة... للجنّ بالليل في حافاتها زجل
وقال جران العود: [الرجز]
وبلدة ليس بها أنيس... إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
تنبيه: لقد امتن الله على عباده بالأنعام عموما، وخص الإبل هنا بالذكر في حمل الأثقال على سائر الأنعام، فإن الغنم للسرح، والذبح، والبقر للحرث، والإبل للحمل، ولا سيما في الصحارى، والقفار. هذا؛ وكان الجمل يسمى سفينة الصحراء، ولكن في هذه الأيام لم يبق للإبل وزن في حمل الأثقال، وإنما صار ذلك للحديد، والنار، وكذلك الحرث لم يعد من عمل البقر، فقد قام الحديد، والنار مقامه في ذلك أيضا.
الإعراب: {وَتَحْمِلُ:} الواو: حرف عطف. (تحمل): مضارع، والفاعل مستتر تقديره:
«هي» يعود إلى الإبل المفهومة من (الأنعام). {أَثْقالَكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة. {إِلى بَلَدٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {لَمْ:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {تَكُونُوا:}
مضارع ناقص مجزوم ب: {لَمْ،} وعلامة جزمه حذف النون، والواو اسمه، والألف للتفريق.
{بالِغِيهِ:} خبره منصوب، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، وحذفت النون للإضافة، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، وجملة: {لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ} في محل جر صفة {بَلَدٍ،} وجملة: {وَتَحْمِلُ..}. إلخ معطوفة على جملة:
{وَمِنْها تَأْكُلُونَ} فهي في محل نصب حال مثلها، أو هي مستأنفة، لا محل لها. {إِلاّ:}
حرف حصر. {بِشِقِّ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المستتر في بالغيه؛ أي: شاقا على