للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباقون راضين، فكأنهم تولوه جميعا، وسميت الغرفة: حجرة؛ لامتناع فيها، فلا يدخلها أجنبي إلاّ بإذن، واستئذان. وانظر ما ذكرته في سورة (الحجر) تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.

وورود الاية على النمط الذي وردت عليه فيه ما لا يخفى من إجلال محلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منها: التسجيل على الصائحين به بالسفه، والجهل. ومنها: إيقاع لفظ الحجرات كناية عن موضع خلوته، ومقيله مع بعض نسائه. ومنها: التعريف باللام دون الإضافة. ولو تأمل متأمل من أول السورة إلى آخر الاية لوجدها كذلك، فتأمل كيف ابتدأ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله متقدمة على الأمور كلها من غير تقييد، ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت، والجهر، كأن الأول بساط للثاني، ثم أثنى على الغاضين أصواتهم ليدلّ على عظم موقعه عند الله، ثم عقبه بما هو أطم، وهجنته أتم من الصياح برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حال خلوته من وراء الجدر، كما يصاح بأهون الناس قدرا؛ لينبه على فظاعة ما جسر عليه؛ لأنّ من رفع الله قدره عن أن يجهر له بالقول؛ كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ في التفاحش مبلغا عظيما. انتهى. نسفي. {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ:} انظر سورة (الدخان) رقم [٣٩].

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم {إِنَّ}. {يُنادُونَكَ:} مضارع مرفوع، والواو فاعله، والكاف مفعوله، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {مِنْ وَراءِ:}

متعلقان بالفعل قبلهما. و {وَراءِ:} مضاف، و {الْحُجُراتِ:} مضاف إليه. {أَكْثَرُهُمْ:} مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة، وجملة: {لا يَعْقِلُونَ:} في محل رفع خبره، والجملة الاسمية في محل خبر: {إِنَّ،} والجملة الاسمية: {إِنَّ..}. إلخ، لا محلّ لها؛ لأنّها مبتدأة، أو مستأنفة.

{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)}

الشرح: معنى الاية: لو انتظروا خروجك يا محمد؛ لكان أصلح لهم في دينهم، ودنياهم، وكان صلّى الله عليه وسلّم لا يحتجب عن الناس إلاّ في أوقات يشتغل فيها بمهمات نفسه، فكان إزعاجه في تلك الحالة من سوء الأدب. {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} بليغ الغفران، والرحمة، واسعهما، فلن يضيق غفرانه، ورحمته عن هؤلاء؛ إن تابوا، وأنابوا.

هذا؛ وعن زيد بن أرقم-رضي الله عنه-قال: اجتمع ناس من العرب، فقالوا: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يك نبيا؛ فنحن أسعد الناس به، وإن يك ملكا؛ نعش بجناحه، قال: فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته بما قالوا، فجاؤوا إلى حجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعلوا ينادونه، وهو في حجرته: يا محمد! يا محمد! فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ..}. إلخ، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأذني فمدها، فجعل يقول: «لقد صدّق الله تعالى قولك يا زيد! لقد صدّق الله قولك يا زيد!» أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>