الشرح:{قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ:} المراد به القرآن الكريم، فإنّه الكاشف لظلمات الشرك، والضلالة، والمبيّن للناس ما كان خافيا عليهم من الحقّ. وقيل: المراد بالنور محمد صلّى الله عليه وسلّم، وبالكتاب القرآن، فيكون في الكلام استعارة تصريحية؛ حيث صرّح بذكر المشبّه به، وهو اسم جامد.
هذا؛ و:{مُبِينٌ} اسم فاعل من «أبان» الرباعي، أصله: مبين. بسكون الباء وكسر الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الباء قبلها بعد سلب سكونها؛ لأنّ الحرف الصّحيح أولى بالحركة من حرف العلّة. ولا تنس: أنّ اسم الفاعل من «أبان» الثلاثي «بائن».
{يَهْدِي بِهِ} أي: بالقرآن. ووحّد الضمير؛ لأنّ المراد بهما واحد، أو لأنّ محمدا، والقرآن كواحد في الهداية. ومثله قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٦٢]: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} والآية رقم [٣٤] منها أيضا، وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها،} ومنه قول حسّان-رضي الله عنه-: [الخفيف]
إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسو... د ما لم يعارض كان جنونا
وأيضا قول ضائي بن الحارث البرجمي-وهو الشاهد رقم [٨٥٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد [٢٧٩] من كتابنا: «فتح رب البريّة» -: [الطويل]
فمن يك أمسى بالمدينة رحله... فإنّي-وقيّار-بها لغريب
{مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ} أي: من سبق في علمه تعالى: أنه يتّبع ما يرضيه، وذلك بالإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن الكريم. {سُبُلَ السَّلامِ:} طرق السّلامة من عذاب الله تعالى، أو المراد:
طرق الحقّ الّتي شرعها الله لعباده، ومن سلكها كان من النّاجين في الدّنيا، والآخرة.
هذا، و:{سُبُلَ:} يجوز تسكين بائه، وضمها، قال عيسى بن عمر-رضي الله عنه-: كل اسم على ثلاثة أحرف أولها مضموم وأوسطها ساكن، فمن العرب من يخفّفه، ومنهم من يثقّله، مثل: رسل، وعسر، ويسر، ورحم، وحلم. هذا؛ و {سُبُلَ} جمع: سبيل، وهو الطريق، يذكّر، ويؤنث بلفظ واحد، فمن التذكير قوله تعالى في سورة (الأعراف): {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}. ومن التأنيث قوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ} والجمع على التأنيث: سبول، وعلى التذكير: سبل كما في الآية الكريمة.