للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اِتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦)}

الشرح: {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ:} المراد به القرآن الكريم، فإنّه الكاشف لظلمات الشرك، والضلالة، والمبيّن للناس ما كان خافيا عليهم من الحقّ. وقيل: المراد بالنور محمد صلّى الله عليه وسلّم، وبالكتاب القرآن، فيكون في الكلام استعارة تصريحية؛ حيث صرّح بذكر المشبّه به، وهو اسم جامد.

هذا؛ و: {مُبِينٌ} اسم فاعل من «أبان» الرباعي، أصله: مبين. بسكون الباء وكسر الياء، فنقلت كسرة الياء إلى الباء قبلها بعد سلب سكونها؛ لأنّ الحرف الصّحيح أولى بالحركة من حرف العلّة. ولا تنس: أنّ اسم الفاعل من «أبان» الثلاثي «بائن».

{يَهْدِي بِهِ} أي: بالقرآن. ووحّد الضمير؛ لأنّ المراد بهما واحد، أو لأنّ محمدا، والقرآن كواحد في الهداية. ومثله قوله تعالى في سورة (التوبة) رقم [٦٢]: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} والآية رقم [٣٤] منها أيضا، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها،} ومنه قول حسّان-رضي الله عنه-: [الخفيف]

إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسو... د ما لم يعارض كان جنونا

وأيضا قول ضائي بن الحارث البرجمي-وهو الشاهد رقم [٨٥٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، والشاهد [٢٧٩] من كتابنا: «فتح رب البريّة» -: [الطويل]

فمن يك أمسى بالمدينة رحله... فإنّي-وقيّار-بها لغريب

{مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ} أي: من سبق في علمه تعالى: أنه يتّبع ما يرضيه، وذلك بالإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن الكريم. {سُبُلَ السَّلامِ:} طرق السّلامة من عذاب الله تعالى، أو المراد:

طرق الحقّ الّتي شرعها الله لعباده، ومن سلكها كان من النّاجين في الدّنيا، والآخرة.

هذا، و: {سُبُلَ:} يجوز تسكين بائه، وضمها، قال عيسى بن عمر-رضي الله عنه-: كل اسم على ثلاثة أحرف أولها مضموم وأوسطها ساكن، فمن العرب من يخفّفه، ومنهم من يثقّله، مثل: رسل، وعسر، ويسر، ورحم، وحلم. هذا؛ و {سُبُلَ} جمع: سبيل، وهو الطريق، يذكّر، ويؤنث بلفظ واحد، فمن التذكير قوله تعالى في سورة (الأعراف): {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}. ومن التأنيث قوله تعالى في سورة (يوسف) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ} والجمع على التأنيث: سبول، وعلى التذكير: سبل كما في الآية الكريمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>