للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحذوف صلة الموصول، لا محل لها. {لِمَ:} (اللام): حرف جر. (ما): اسم استفهام مبني على السكون في محل جر باللام، والسكون هو الألف المحذوفة كما رأيت في الشرح، والجار والمجرور متعلقان بما بعدهما. {تَقُولُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: تقولون الذي، أو شيئا لا تفعلونه.

{كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣)}

الشرح: {كَبُرَ مَقْتاً:} عظم مقتا عند الله قولكم الذي لا تفعلونه، والفعل {كَبُرَ} محول إلى صيغة فعل بضم العين التي هي للذم هنا، وتكون للمدح أيضا، كقوله تعالى: {وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} إذ كل فعل ثلاثي متصرف يمكن تحويله إلى صيغة فعل للذم، أو للمدح. وفي الكشاف:

قصد في {كَبُرَ} التعجب من غير لفظه، ومعنى التعجب: تعظيم الأمر في قلوب السامعين؛ لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره، وأشكاله. ونصب {مَقْتاً} على التمييز دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص، لا شوب فيه؛ لفرط تمكن المقت منه، واختير لفظ (المقت) لأنه أشد البغض، وأبلغه، {عِنْدَ اللهِ} أبلغ من ذلك؛ لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله؛ فقد تم كبره، وشدته، وانزاحت عنه الشكوك. هذا؛ وفي سورة (غافر) رقم [٣٥]: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا،} وفي سورة (الكهف) رقم [٥]: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ}.

فعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبدا؛ نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء؛ لم تلفه إلاّ مقيتا ممقتا، فإذا لم تلفه إلا مقيتا ممقتا؛ نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة؛ لم تلفه إلا خائنا مخوّنا، فإذا لم تلفه إلاّ خائنا مخوّنا؛ نزعت منه الرّحمة، فإذا نزعت منه الرّحمة؛ لم تلفه إلا رجيما ملعنا، فإذا لم تلفه إلا رجيما ملعنا؛ نزعت منه ربقة الإسلام». رواه ابن ماجه، الربقة بكسر الراء وفتحها: واحدة الربق، وهي عرى في حبل تشد به الغنم ونحوها، وتستعار لغيره.

هذا؛ وتفيد الايتان: أنه حصل وعد من المسلمين، وخلف لما وعدوا به، كما رأيت في شرحهما، ثم وقع توبيخ شديد، بل، وتهديد عظيم من الله تعالى لهذا الخلف. لذا فإني أتكلم على هذا بإسهاب هنا، والله الموفق والمعين، فأقول وبالله أستعين: الوعد يستعمل في الخير وفي الشر، فإذا قلت: وعدت فلانا من غير أن تتعرض لذكر الموعود به؛ كان ذلك خيرا، وإذا قلت: أوعدت فلانا من غير ذكر الموعود به؛ كان ذلك شرا، وهو ما في قول طرفة بن العبد من معلقته رقم [١٢٠]: [الطويل]

<<  <  ج: ص:  >  >>