استقامته، فلا عوج فيه يوجب اتهامهم له. واعلم: أن الله سبحانه وتعالى، ألزمهم الحجة، وأزاح العلة في هذه الآيات بأن حصر أقسام ما يؤدي إلى الإنكار، والاتهام، وبين انتفاء ما عدا كراهة الحق، وقلة الفطنة. {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ:} لا يعتقدون بوجودها بعد الموت، ولا يعترفون بها. {عَنِ الصِّراطِ} أي: المستقيم. {لَناكِبُونَ:} لعادلون عنه. يقال: نكب عن الطريق ينكب نكوبا: إذا تركه، ومال إلى غيره، ومنه نكبت الريح: إذا لم تستقم على مجرى، وشر الريح النكباء، وهي الآتية بين جهتين من الجهات، سميت بذلك لعدولها عن المهاب. ونكبت حوادث الدهر، أي:
أصابت بشدة، وهبت هبوب النكباء، هذا؛ ولا تنس: الالتفات من الخطاب إلى الغيبة.
هذا؛ و (الآخرة) هي الحياة الثانية التي تكون بعد الموت، ثم بعد الحساب، والجزاء، ودخول الجنة، والخلود فيها، أو دخول النار والخلود فيها. و {مُسْتَقِيمٍ} أصله: مستقوم؛ لأنه من: استقام، وهو أجوف واوي، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف قبلها بعد سلب سكونها، فصار «مستقوم» ثم قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة، فصار مستقيم.
الإعراب:{وَإِنَّكَ:} الواو: واو الحال. (إنك): حرف مشبه بالفعل، والكاف اسمها.
{لَتَدْعُوهُمْ:} اللام: هي المزحلقة. (تدعوهم): مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو، والفاعل مستتر تقديره:«أنت»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ). {إِلى صِراطٍ:} متعلقان بما قبلهما. {مُسْتَقِيمٍ:} صفة (صراط)، والجملة الاسمية:
{وَإِنَّكَ..}. إلخ في محل نصب حال من الفاعل المستتر بالفعل {تَسْأَلُهُمْ،} والرابط: الواو، والضمير. {وَإِنَّ:} الواو: حرف عطف. (إنّ): حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم (إنّ). {لا:} نافية. {يُؤْمِنُونَ:} مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها. {بِالْآخِرَةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما.
{عَنِ الصِّراطِ:} متعلقان بما بعدهما. {لَناكِبُونَ:} اللام: هي المزحلقة. (ناكبون): خبر (إنّ) مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية:(إن الذين...) إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها، والضمير الموجود في الأولى يكفي رابطا لهذه، كما هو منصوص عليه في مغني اللبيب، ومن أمثلته:(الذّباب يطير، فيغضب زيد).
الشرح:{وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ:} يروى: أنه لما دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم على كفار قريش كما رأيت في الآية رقم [٦٥] واستجاب الله دعاءه، واشتد البلاء عليهم؛ حتى أكلوا الجيف، وغيرها؛ جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال له: أنشدت الله والرحم! ألست تزعم: أنك بعثت رحمة