وقال قتادة-رحمه الله تعالى-: نزلت في أبي جهل الخبيث، وكان يقول: ما فيها أعزّ مني، ولا أكرم! فلذلك يقال له يوم القيامة: {ذُقْ إِنَّكَ..}. إلخ. وقال عكرمة-رحمه الله-: التقى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبو جهل، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله أمرني أن أقول لك: أولى لك فأولى!». فقال: بأي:
شيء تهددني؟! والله ما تستطيع أنت، ولا ربك أن تفعلا بي شيئا! إني لمن أعز هذا الوادي، وأكرمه على قومه! فقتله الله يوم بدر، وأذله، ونزلت الآية الكريمة تخبر بما يقال له يوم القيامة.
هذا؛ والذوق يكون محسوسا، ومعنى، وقد يوضع موضع الابتلاء، والاختبار، تقول: اركب هذا الفرس، فذقه؛ أي: اختبره. وانظر فلانا، فذق ما عنده، قال الشماخ يصف قوسا: [الطويل] فذاق، فأعطته من اللين جانبا... كفى ولها أن يغرق السهم حاجز
وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس؛ وإن لم يكن مطعوما؛ لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم. قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [الطويل]
فذق هجرها إن كنت تزعم أنها... فساد ألا يا ربّما كذب الزّعم
وتقول: ذقت ما عند فلان. أي: خبرته، وذقت القوس: إذا جذبت، وترها لتنظر ما شدتها؟ وأذاقه الله وبال أمره؛ أي: عقوبة كفره، ومعاصيه، قال طفيل بن سعد الغنوي: [الطويل] فذوقوا كما ذقنا غداة محجّر... من الغيظ في أكبادنا والتّحوّب
وتذوقته. أي: ذقته شيئا بعد شيء، وأمر مستذاق؛ أي: مجرب معلوم، قال الشاعر: [الوافر]
وعهد الغانيات كعهد قين... ونت عند الجعائل مستنذاق
وأصله من الذوق بالفم. و {فَذُوقُوا} في كثير من الآيات للإهانة، وفيه استعارة تبعية تخييلية، وذكر العذاب في بعض الآيات استعارة مكنية؛ حيث شبه العذاب بشيء يدرك بحاسة الأكل، وشبه الذوق بصورة ما يذاق، وأثبت للذوق تخييلا.
الإعراب: {ذُقْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، ومفعوله محذوف، تقديره: ذق العذاب. والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول لقول محذوف. انظر الشرح. {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} انظر إعراب مثلها في الآية رقم [٦]، والآية تعليل للأمر، ويقرأ بفتح الهمزة، وعليه فالمصدر المؤول في محل جر بلام تعليل محذوفة، التقدير: لأنك، والجار والمجرور متعلقان بالفعل: {ذُقْ}.
{إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠)}
الشرح: {إِنَّ هذا} أي: العذاب. {ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي: تشكون في وقوعه، يوم كنتم في الدنيا، فذوقوه اليوم. والجمع في الآية باعتبار المعنى؛ لأنّ المراد جنس الأثيم. هذا؛