واحد له، والمنون يذكر، ويؤنث، فمن ذكره؛ جعله الدهر، أو الموت، ومن أنثه؛ فعلى الحمل على المعنى، كأنه أراد المنية. {قُلْ تَرَبَّصُوا} أي: انتظروا، فهو تهديد. {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ:} من المنتظرين بكم العذاب، فعذبوا يوم بدر بالسيف، وفي آخر سورة (طه) قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا}.
هذا؛ وذكرت {أَمْ} هنا خمس عشرة مرة، وكلها إلزامات، ليس للمخاطبين بها عنها جواب، لكن قال الثعلبي نقلا عن الخليل: إن كل ما في سورة (الطور) من {أَمْ} فهو استفهام، وليس بعطف، وإنما استفهم تعالى مع علمه بهم تقبيحا عليهم، وتوبيخا لهم، كقول الشخص لغيره: أجاهل أنت مع علمه بجهله. انتهى. جمل. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف، بمعنى: «بل» فهي منقطعة. {يَقُولُونَ:} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها؛ لأن {أَمْ} منقطعة كما رأيت. {شاعِرٌ:} خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو شاعر، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول. {نَتَرَبَّصُ:} فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:
«نحن»، والجملة الفعلية في محل رفع صفة {شاعِرٌ}. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {رَيْبَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {الْمَنُونِ} مضاف إليه. {قُلْ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {تَرَبَّصُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، والجملة: {قُلْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{فَإِنِّي:} (الفاء): حرف تعليل. (إني): حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمه. {مَعَكُمْ:}
ظرف مكان متعلق بما بعده، وبعضهم لا يجيزه، بل يعلقهما بمحذوف يدل عليه ما بعده؛ لأنه لا يعمل ما بعد (أل) الموصولة فيما قبلهما، ولكن إن اعتبرتها للتعريف فهو جائز لا غبار عليه.
وقيل: متعلق بمحذوف حال، ولا وجه له. والكاف في محل جر بالإضافة. {مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ:}
متعلقان بمحذوف خبر (إن)، والجملة الاسمية مفيدة للتعليل، وهي من جملة مقول القول.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)}
الشرح: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ} أي: عقولهم. {بِهذا} أي: بالكذب والافتراء عليك. وفي البيضاوي: أي: بهذا التناقض في القول، فإن الكاهن يكون ذا فطنة، ودقة نظر، والمجنون مغطى عقله، والشاعر يكون ذا كلام موزون مقفى متسق، ولا يتأتى ذلك من المجنون، وأمر الأحلام بها مجاز عن أدائها إليه، فهو مجاز عقلي، حيث أسند الأمر إلى الأحلام، وقد كان العرب يتفاخرون بعقولهم، فأزرى الله بها، وحقرها؛ حيث لم تثمر لهم معرفة الحق، والباطل.
{أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} أي: أم طغوا بغير عقول. {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} أي: اختلقه، وافتراه؛ أي: