للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَعْيُنٍ،} على القاعدة (نعت النكرة؛ إذا تقدم عليها صار حالا) و (نا): ضمير متصل في محل جر بالإضافة. {وَذُرِّيّاتِنا:} معطوف على ما قبله. {قُرَّةَ:} مفعول به، وهو مضاف، و {أَعْيُنٍ} مضاف إليه. {وَاجْعَلْنا:} فعل دعاء، وفاعله أنت، و (نا): مفعول به.

{لِلْمُتَّقِينَ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من (إماما)، كان نعتا له فلما قدم عليه صار حالا على القاعدة التي رأيتها. {إِماماً:} مفعول به. هذا؛ والجملة: {رَبَّنا..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة: {يَقُولُونَ..}. إلخ صلة الموصول، لا محل لها.

{أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥)}

الشرح: {أُوْلئِكَ:} إشارة إلى المتصفين بما فصل في جيز الموصولات الثمانية، وهي إحدى عشرة خصلة: التواضع، والحلم، والتهجد في الليل، والخوف من نار جهنم وعذابها، وترك الإسراف في الإنفاق، والتقتير فيه، والنزاهة عن الشرك، وترك الزنى، وعدم قتل النفس، والتوبة، وتجنب الكذب، والعفو عن المسيء، وقبول المواعظ، والابتهال إلى الله، والتضرع إليه بطلب الزوجات الصالحات، والذرية المستقيمة على الصراط المستقيم.

{يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ:} يكافؤون على اتصافهم بتلك الصفات الحميدة بالغرفة، وهي الدرجة الرفيعة، وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها، كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا، و {الْغُرْفَةَ} اسم جنس أريد به الجمع لقوله تعالى في الآية رقم [٣٧] من سورة (سبأ): {وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ} وقوله تعالى في الآية رقم [٢٠] من سورة (الزمر): {لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} وتجمع على: غرف، وغرفات، كما في هاتين الآيتين. {بِما صَبَرُوا} أي: ينالون الغرف والنعيم المقيم في الجنة بسبب صبرهم على الطاعات، وعن المعاصي، وعن السيئات، وعلى أنواع البلاء، وكل ذلك مستقى من هدي القرآن الكريم، وهدي الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدّرّيّ الغابر من الأفق من المشرق، أو المغرب لتفاضل ما بينهم». قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم، قال: «بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدّقوا المرسلين». وخرج الترمذي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ في الجنّة لغرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها». فقام إليه أعرابيّ، فقال: لمن هي يا رسول الله؟! قال: «هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطّعام، وأدام الصّيام، وصلّى لله باللّيل، والناس نيام». انتهى. قرطبي. وهذا الحديث يروى بروايات كثيرة في «الترغيب والترهيب» للمنذري، وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>