{مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ} أي: المعجزات وآيات القرآن، إن كان الخطاب للمؤمنين، فإن كان الخطاب لأهل الكتابين؛ ف {الْبَيِّناتُ} ما ورد في شرعهم من الإعلام بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، والتّعريف به، وبرسالته. وفي الآية دليل على أنّ عقوبة العالم بالذّنب أعظم من عقوبة الجاهل به.
{فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ:} قوي في نقمته ممّن خالفه، لا يعجزه شيء. {حَكِيمٌ:} لا يفعل إلا ما فيه حكمة، أو لا ينتقم إلا بحق. والحكيم: ذو الإصابة في الأمور كلها. وفي الآية وعيد، وتهديد لمن في قلبه شكّ، ونفاق، أو عنده شبهة في الدّين. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٢٩].
تنبيه: روي: أنّ أعرابيّا سمع قارئا يقرأ: فاعلموا أن الله غفور رحيم، فأنكره، ولم يكن يقرأ القرآن، وقال: إن كان هذا كلام الله، فلا يقول كذا الحكيم، لا يذكر الغفران عند الزّلل؛ لأنه إغراء به. ومثله روي: أن قارئا قرأ قوله تعالى في سورة المائدة: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قرأ: فإنك أنت الغفور الرحيم، فأنكره آخر، ولم يكن يقرأ القرآن أيضا، وقال: هذا لا يناسب من يقدر على التّعذيب، والمغفرة.
الإعراب:{فَإِنْ:} الفاء: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {زَلَلْتُمْ:} فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بالفعل قبلهما.
{ما:} مصدرية. {جاءَتْكُمُ:} فعل ماض. والتاء للتأنيث، والكاف مفعول به.
{الْبَيِّناتُ:} فاعله، و {ما} المصدرية، والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل جر بإضافة {بَعْدِ} إليه، من بعد مجيء البينات لكم. هذا؛ واعتبار {ما} موصولة، أو موصوفة، يحوج إلى تقدير عائد، أو رابط، التقدير: من بعد الّذي، أو شيء جاءتكم البينات به. وهذا تكلف لا حاجة له، وهو ضعيف معنى. {فَاعْلَمُوا:} الفاء: واقعة في جواب الشرط، وجملة:(اعلموا {أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}) في محل جزم جواب الشرط، وانظر إعراب مثلها في الآية رقم [٢٠١]. و {أَنَّ} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.
الشرح:{هَلْ:} حرف استفهام معناه النفي مفيد للتّوبيخ؛ أي: لا ينبغي لهم إلا انتظار إتيان العذاب. {يَنْظُرُونَ} أي: ينتظر التّاركون الدّخول في السلم، والمتّبعون خطوات الشيطان.